
تتشكّل نهايات الأعوام في صدري كغمامة مُثقلة بالأسئلة؛ غمامةٍ تهبط على الروح مثل ضوءٍ تفرّق، أستحضر تحت ظلّها ما مرّ بي من قراءاتٍ وحواراتٍ وكتاباتٍ حفرت في الوجدان أكثر مما حفرت في الأوراق، وتركت في القلب أثرًا لا يُمحى بسطور، بل يُحفر في الضمير.
تتقدّم 2025 بوجوه أعرفها كما يُعرف النور حين يفتح نافذته الأولى.
رجالٌ لو امتلكتُ قرار جائزة الدولة التقديرية لرفعتها إليهم كما تُرفع أمانة إلى أصحابها:
رجل الدولة في السياسة: دكتور حسام بدراوي
رجل الدولة في الاقتصاد: دكتور محمود محي الدين
رجل الدولة في الفكر والأدب: دكتور عمار علي حسن
وجوهٌ لا تتباهى بمنابرها… بل تتواضع أمام أفكارها، فتكبر، كما تكبر الأشجار من جذورها لا من ظلالها.
يسكنني يقينٌ صلب كأنه الدرس الوحيد الذي لم يخنّي يومًا:
الإنسان لا يُولد رجلَ دولة، بل يُولد إنسانًا… وتصنعه المواقف حين تضيق السبل، وتصقله الأزمات حين يُختبر جوهره لا عنوانه، وتزنـه النتائج لا الخطابات، فالعرش لا يصنع صاحبَه، وصاحب الرؤية لا يحتاج إلى عرش.
تتردّد في ذاكرتي أمثلة الزمن كأنها موسيقى مكتوبة على صفحة ماء:
كم من حاكمٍ دخل المشهد عملاقًا… فانكمش عند أول امتحان.
وكم من رجلٍ هادئ، مفكرٍ وصاحب بصيرة، صار دولةً كاملة حين أزاحت العواصف الأقنعة، وكشفت أن الكِبَر الحقيقي ليس في الهامات، بل في القدرة على حمل الوطن بلا ضجيج، وعلى قول الحقيقة بلا خوف.
تلك هي العبرة التي أضعها أمام قلبي كل عام:
الدولةُ تُولد أولًا في الضمير… ثم تُكتب بعد ذلك في دفاتر التاريخ.
والألقابُ لا ترفع صاحبها، بل يرفعه فعله حين يجيء وقت الفعل، ويظهر معدنه حين تُعلن اللحظة أنها لحظةُ الرجال لا لحظةُ المناصب.







