مقالات وآراء

نادر فتوح يكتب : أحمد الشرع.. سياسة تحييد الخصوم وكسب الحلفاء وفن صناعة التوازنات لسوريا الجديدة

منذ وصوله إلى الحكم، اعتمد الرئيس أحمد الشرع استراتيجية مختلفة تمامًا لاسيما في السياسة الخارجية، تقوم على مبدأ “تحييد من يعاديك.. وكسب من تستطيع كسبه.. وفتح الأبواب لمن يملك التأثير”.

هذه المعادلة نجحت، خلال فترة قصيرة (العام الأول) في تغيير موقع سوريا على الخريطة الإقليمية والدولية، وجعلت دمشق لاعبًا قادرًا على فتح مسارات جديدة بدل البقاء في موقع رد الفعل.


1. تحييد الدول المعادية.. بدل المواجهة المفتوحة


اعتمد الشرع سياسة أكثر براغماتية تقوم على تخفيف التوترات مع الدول التي كانت تصنّف في خانة “الخصوم”، عبر عدد من الوسائل الجديدة..

  • •⁠ ⁠فتح قنوات اتصال واضحة وسريعة.
  • •⁠ ⁠تجنب الخطاب العدائي المباشر الذي يغلق الأبواب السياسية.
  • •⁠ ⁠تقديم مبادرات ثنائية تعالج الملفات الأمنية دون ضجيج إعلامي.

هذه المقاربة سمحت لسوريا بالخروج من دائرة الاستهداف المستمر، وجعلت معظم القوى الإقليمية تتعامل مع الوضع السوري بقدر أكبر من الحذر والواقعية.


2. كسب الولايات المتحدة وإدارة ترامب.. عبر ملفات حساسة، بطريقة شهد الجميع ببراعتها سياسيًا


حيث نجحت الإدارة السورية في فتح تواصل فعّال مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رغم أن واشنطن كانت أحد أشد الأطراف تشددًا تجاه دمشق خلال سنوات الحرب.
وهذا جعل الإدارة الأمريكية — وللمرة الأولى منذ سنوات — تنظر إلى دمشق باعتبارها شريكًا يمكن التعامل معه، لا دولة خارجة عن الحسابات.

3. تركيا والسعودية.. التحالف الإقليمي

أولًا.. تركيا


يعرف الشرع أن تركيا هي الفاعل الأكثر تأثيرًا في الملف السوري، لذلك اعتمد سياسة مزدوجة..
حوار مباشر ومحاولة رد الجميل لدعم الدولة التركية لسوريا الجديدة.. وفتح مسار سياسي تدريجي.
وهو ما دفع أنقرة إلى التعاطي مع دمشق بجدية أكبر، وفتح الباب أمام الشراكة الواسعة والدعم الكامل في المرحلة التالية.

ثانيًا.. السعودية


أدرك الشرع مبكرًا أن العودة إلى العمق العربي لا تمر إلا عبر الرياض.
لذلك عمل على..

  • •⁠ ⁠إرسال رسائل سياسية إيجابية، فكانت زيارته الأولى عربيًا صوب المملكة العربية السعودية.
  • •⁠ ⁠دعم مبادرات الاستقرار الإقليمي التي تتبناها السعودية.
  • •⁠ ⁠فتح حوار اقتصادي أولي حول مشاريع إعادة الإعمار.

هذه التحركات جعلت السعودية تغيّر لهجتها تجاه دمشق، وتتعامل مع النظام الجديد بوصفه شريكًا محتملًا في مرحلة ما بعد الحرب.

فالرئيس السوري أحمد الشرع لا يدير سياسة خارجية “تقليدية”.. بل ينفّذ هندسة دقيقة للتحالفات تقوم على تحييد من يعاديك، وكسب من يؤثر عليك، وترميم العلاقات مع القوى الكبرى في المنطقة.

وبين واشنطن وأنقرة والرياض، نجح الشرع في إعادة سوريا إلى مساحة لم تطأها منذ سنوات.. مساحة التوازن السياسي بدل العزلة.. ومساحة الدور الفاعل بدل رد الفعل.

وهنا نستطيع أن نقول إن الرئيس الشرع، وفي لحظة إقليمية مضطربة.. استطاع أن يقدّم نسخة جديدة من الرئاسة في سوريا؛ نسخة لا تقوم على العناد، بل على إدارة ذكية للصراعات، ونسج متدرّج لشبكة مصالح متوازنة مع اللاعبين الكبار في المنطقة والعالم.

فالتحركات التي بدأها لم تكن مجرد دبلوماسية شكلية، بل خطوات محسوبة أعادت للدولة قدرتها على التفاوض، وفتحت أمام دمشق طرقًا كانت مغلقة لسنوات طويلة.

وإذا استمر هذا المسار بالزخم نفسه، فإن سوريا الجديدة قد تتحوّل — لأول مرة منذ اندلاع الأزمة — من ساحة حرب إلى دولة تمتلك قرارها، وتعرف أين تقف، وإلى أين تريد أن تصل.. دولة تصنع مكانها في الشرق الأوسط بدل أن تُصنع لها الأدوار.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى