
بينما أحملق في علبة التونة بتاريخ صلاحية يبدو وكأنه من العصر الحجري الحديث، أتسال “أين أخطأت طريق النعمة؟”.
في شقتي المتواضعة، تتراص عبوات المعلبات مثل جنود مخلصين في معركة البقاء فاصوليا بيضاء، ذرة حلوة، مكرونة جاهزة، وطبعًا “سلسلة تونات” متنوعة النكهات.
بينما على واتساب، تتوالى الصور من صديقي طبق باستا بالكبد وصلصة الكراميل الإيطالي او كبسه او شويه محشي من شيفنا “محمود المصري “، وسمك مشوي مع صوص المانجو والزنجبيل او مكرونه بشاميل او شويه كشري من مخرجنا “تامر سلطان “، وكأنهما يخوضان مسابقة “ماستر شيف” على حسابي النفسي والعصبي .
عشائي عبارة عن رحلة استكشاف في علبة يتكون من ثلاث اضلاع .
الضلع الأول “اليوم عندي تونة بالزيت النباتي مع ذرة حلوة الإثنين معًا خلطة جريئة، أعترف .
” أقول وأنا أفتح العلبة بفتاحة يبدو أنها تشاركني نفس السنين من الغربة.
رائحة المعدن والزيت تملأ الجو، مرفقة بأغنية قديمة لمحمد محيي تزيد الوضع كآبة.
الضلع الثاني (الشيف محمود) في مكالمه فيديو ، يشرح محمود، الشيف العبقري ، بلغة فيها مصطلحات مثل “سوتيه” و “إنهاء الطبق” و “اتزان النكهات”، بينما يدور الكاميرا حول مطبخه النظيف وأدواته البراقة.
“انتظر حتى أجرب وصفة الكشري المصري بمقادير إيطالية!” يقول محمود ببراءة قاتلة.
أبتسم وأقول “روعة”، بينما أخفي وجهي خلف علبة التونة الفارغة وأقول في داخلي حسبي الله ونعم الوكيل .
الضلع الثالث (المخرج تامر سلطان ) تامر لا يطبخ فقط، بل يخرج الوجبة.
الصورة تأتي بإضاءة درامية وزاوية كاميرا تجعل طبق الفول والطعمية (الذي حمله من مطعم مصري نادر) يبدو كبطولة في فيلم ملحمي.
“الوجبة مش أكلة، الوجبة مشهد وحكاية” .
يقول تامر لي أنظر إلى “مشهده” الخاص بقايا الذرة الملتصقة بالطبق البلاستيكي حكاية قصيرة مُحزنة.
فلسفة “الأكل الوظيفي” إن “الأكل عندي وظيفي بحت.
هو وقود للاستمرار، مش رحلة حسية.
افتح العلبة، اسخن إذا كان فيه نية حلوة، أكل، اغسل الملعقة الواحدة، وامشي.
دورة حياة كاملة في عشرة دقائق .
لكن ثمّة لحظات ضعف.
خاصة في أيام العطلات، أو عندما أمرض .
“في مرة كانت درجة حرارتي مرتفعه ، وكان أقصى حلمي بصحن شوربة عدس أمي.
فتحت علبة شوربة جاهزة، طعمها كان أقرب لملح البحر.
قعدت أكل وأنا بفكر لو واحد من الاتنين دول سمع، كان زمانه وصل قدام بابي من ساعة بس للاسف بينا 3000 كيلو متر .
وعندما أقوم بعمل اندومي وارسل صوره لهم تأتي التعليقات سريعا .
تامر : “يا باشا.. الإضاءة في الصورة سيئة خالص!”
محمود “الصحن مش مناسب جرب مرة تاني وخلي الكاميرا أعلى شوية.”
أنا ضاحكا حاضر ولكني من داخلي اريد سياره اطفاء لاطفاء غضبي .







