مقالات وآراء

نزار عبدالعزيز يكتب : حين يغيب المنطق ستطول حلول السلام

لفت انتباهي التصريح الأخير الصادر عن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، بشأن دعمه لخارطة طريق السلام المدعومة من طرف السودان، والكلمة التي قدمها د. كامل إدريس في مجلس الأمن الدولي حول الوضع في السودان.

فهناك عدة تساؤلات مشروعة ومطروحة حول مدى وجود إرادة حقيقية من الجامعة العربية لوقف الحرب وتحقيق السلام والاستقرار في البلاد، لا سيما في ظل تأييد شروط وضعها كامل إدريس أمام مجلس الأمن يراها كثيرون غير قابلة للتنفيذ في الواقع الميداني المعقد.

في الوقت الذي حظيت فيه مبادرة “الرباعية” بدعم إقليمي ودولي واسع باعتبارها إطارًا واقعيًا للحل السلمي، برزت مخاوف من أن تعكس هذه التصريحات تراجعًا عن هذا المسار، أو على الأقل غيابًا للتنسيق المطلوب، الأمر الذي يضعف فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، ويثير تساؤلات حول موقف الأطراف الإقليمية الفاعلة، وعلى رأسها مصر.

فقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي دعم مصر للرباعية رغم الخطوط الحمراء ودعم مبادرة الرئيس الأميركي، كما جاءت تصريحات وزير الخارجية المصري مؤكدة دعم مصر للرباعية بوصفها طرفًا رئيسيًا فيها. وهنا يبرز السؤال: ما هي نقاط الخلاف والاتفاق – إن وُجدت – بين الجامعة العربية ومراكز القرار المصري؟

لقد تجاوزت الحرب في السودان كونها صراعًا سياسيًا أو عسكريًا لتتحول إلى مأساة إنسانية شاملة لا تنتظر التصريحات السياسية أو الدبلوماسية؛ فالمدنيون هم الضحية الأولى، والبنية التحتية تتعرض للتدمير، والاقتصاد ينهار، بينما يواجه ملايين المواطنين أوضاعًا معيشية قاسية تهدد حقهم الأساسي في الحياة الكريمة.

إن استمرار القتال يوفر بيئة خصبة لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ويقوض أسس الدولة نفسها. ولذلك فإن المسؤولية الوطنية والأخلاقية والإنسانية تفرض اتخاذ قرار شجاع بوقف الحرب، وإعلان هدنة إنسانية عاجلة تضع حدًا لمعاناة المدنيين، وتمهد الطريق أمام حل سياسي حقيقي.

كما أن الرهان على الحسم العسكري، أو افتراض استسلام كامل لطرف مسلح دون مسار حوار شامل، يمثل تجاهلًا للواقع وتجارب التاريخ والحروب في السودان التي انتهت عند طاولة المفاوضات.

فالميليشيات لا تُفكك بالخطابات أو الشروط التعجيزية، بل عبر عملية سياسية جادة تعالج جذور الأزمة وفق مبادئ ثورة ديسمبر المجيدة التي كانت تؤسس لانتقال من دولة الحزب إلى دولة الوطن.

إن وقف الحرب ليس ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وجودية لبقاء الدولة والوطن، وليس وجودية لبقاء حزب لا يريد الاستسلام ويريد أن يكون في أي وضع أو تسوية سياسية قادمة. ومن يصر على استمرار هذا الصراع، أياً كانت دوافعه، يُنظر إليه بوصفه تهديدًا مباشرًا لبقاء الدولة السودانية لا مدافعًا عنها.

فالتاريخ لا يرحم، ولهذا من الضروري أن يعلو صوت العقل والحكمة والمنطق، وأن يُقدَّم حق الشعب في الحياة الكريمة والسلام على أي حسابات ضيقة للسلطة أو النفوذ.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى