
تهدف هذه الخطة الاستراتيجية الشاملة – التي وضعها لوبي ENABLE إلى إعادة تشكيل الاقتصاد الأمريكي والعالمي خطوة بخطوة، على نحو يشبه نقلات ذكية في لعبة شطرنج.
ويثق المخططون بقدرة الرئيس دونالد ترامب على تنفيذ هذه الخطة بحذافيرها لتحقيق “استقلال اقتصادي” للولايات المتحدة وترسيخ هيمنتها عالميًا. فيما يلي عرض متسلسل لخطوات الخطة، بحيث تقود كل خطوة إلى التالية بشكل منطقي ومدروس:
الخطوة الأولى:
ضربة الرسوم الجمركية الشاملة (“افتتاحية” الحرب التجارية)
الرئيس ترامب معلنًا فرض رسوم جمركية متبادلة على واردات الدول الأخرى فيما اعتبره “إعلان استقلال اقتصادي” لأمريكا  .
الهدف: استخدام الحرب التجارية كورقة ضغط لإعادة تشكيل قواعد التجارة العالمية لصالح أمريكا. يقوم ترامب في هذه الخطوة بفرض رسوم جمركية ضخمة ومتبادلة على معظم الدول الشريكة تجاريًا – كما فعل بالفعل في 2 أبريل 2025 واصفًا ذلك اليوم بأنه “أحد أهم الأيام في التاريخ الأمريكي” وبمثابة إعلان استقلال اقتصادي للولايات المتحدة  .
الفكرة هي رفع كلفة الواردات بشكل انتقامي على من يفرضون رسوماً على الصادرات الأمريكية، وذلك أملًا في إجبار الشركاء على تقديم تنازلات تجارية كبيرة وفتح أسواقهم أو مواجهة خسارة السوق الأمريكية.
النتائج المتوقعة
– داخليًا، سترتفع أسعار الكثير من السلع المستوردة في أمريكا بسبب التعرفات الجديدة، مما يغذي التضخم المحلي مباشرة. قد تجد بعض الصناعات الأمريكية حماية وفرص نمو (مثل الصلب والألمنيوم التي فرضت عليها رسوم مسبقًا )، لكن بالمقابل ستعاني شركات تعتمد على المكونات المستوردة من ارتفاع التكلفة. خارجيًا، سترد العديد من الدول بالمثل، مما يفتح الباب أمام موجة من الحروب التجارية العالمية .
هذا من شأنه إبطاء النمو الاقتصادي الدولي؛ فمثلًا بعد الخطوات التصعيدية، خفّضت المكسيك توقعات نموها لعام 2025 بسبب التوترات التجارية مع أمريكا . يشير الخبراء إلى أن وطأة هذه الحرب التجارية ستكون هائلة على الاقتصاد العالمي وربما تضرب عالم التجارة كما نعرفه .
أسواق الأسهم ستشهد تذبذبًا حادًا وانخفاضات مع خشية المستثمرين من تراجع أرباح الشركات العالمية وارتفاع التكاليف – حتى أن معارضي ترامب وصفوا هذه الخطوة بأنها “يوم الكساد” بدلًا من يوم التحرير .
بالفعل، تعرضت البورصات لضغوط قوية، وهبط سعر الدولار فورًا بنسبة 1% أمام اليورو مع بدء خطاب ترامب عن الرسوم ، نتيجة تخوف الأسواق من اضطراب الاقتصاد الأمريكي واحتمال الحاجة لتيسير نقدي لمواجهة التداعيات. وقد حذرت شخصيات مثل رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد من أن هذه الخطوة “لن تكون في صالح الاقتصاد العالمي” وستلحق اضطرابًا بالتجارة العالمية، مع احتمال أن تكلف الجميع ثمنًا باهظًا .
استفادة المستثمر العادي
في هذه المرحلة الأولى المليئة بالاضطراب، يمكن للمستثمرين الأفراد التحوّط ضد التقلبات عبر زيادة حيازة المعادن النفيسة كالذهب والفضة وغيرها من الأصول الآمنة. فالذهب يُعتبر ملاذًا آمنًا يرتفع الطلب عليه في أوقات عدم اليقين. وبالفعل ارتفعت أسعار الذهب حوالي 1% مع ضعف الدولار وتصاعد مخاوف النمو جراء حروب التعرفات الجمركية .
إن شراء الذهب والفضة في هذه الأثناء قد يحمي المحافظ الاستثمارية من تقلبات الأسهم وهبوط العملة، حيث يجعل ضعف الدولار الذهب أكثر جاذبية لحائزي العملات الأخرى . كذلك ينبغي للمستثمرين توخي الحذر بشأن أسهم الشركات التي تعتمد على الواردات أو التصدير، لأنها الأكثر عرضة لضربة الرسوم والردود الانتقامية. هذه الاضطرابات الافتتاحية ستُمهد الأرض للخطوة التالية، حيث تسعى الإدارة الأمريكية لمواجهة آثار الركود التضخمي المحتمل الناجم عن الحرب التجارية.
الخطوة الثانية:
مناورة إضعاف الدولار (تيسير نقدي ومالي لتحفيز صادرات أمريكا)
الهدف
خفض قيمة الدولار الأمريكي بشكل مدروس لجعل الصادرات الأمريكية أكثر تنافسية وتقليل العجز التجاري والديون. لطالما اشتكى ترامب من قوة الدولار واعتبرها عقبة أمام الاقتصاد؛ وقد أصرّ لعقود على ضرورة إضعاف سعر صرف الدولار حتى قبل الرئاسة . في هذه المرحلة، يستخدم ترامب نفوذه للضغط نحو تخفيض أسعار الفائدة الأمريكية وربما التدخل في أسواق العملات – بالتوازي مع زيادات الإنفاق الحكومي والعجز المالي – بهدف دفع الدولار للانخفاض.
بمعنى آخر، يتم انتهاج سياسة نقدية ومالية توسعية للغاية: يُخفض الاحتياطي الفيدرالي الفائدة (وربما يعيد إطلاق التيسير الكمي) لتحفيز الاقتصاد أمام تباطؤ النمو، وتموّل الحكومة عجزًا كبيرًا في الموازنة عبر الإنفاق على مشاريع محلية (بنية تحتية مثلاً) رغم تراجع الإيرادات. هذه الخطوات تؤدي إلى زيادة المعروض من الدولار وتراجع قيمته.
النتائج المتوقعة
ضعف الدولار سيكون سيفًا ذو حدين. فمن جهة، الدولار الأضعف يجعل الواردات أغلى بكثير على المستهلك الأمريكي لكنه يُرخص الصادرات الأمريكية في الأسواق العالمية ، مما يساعد الشركات الأمريكية على المنافسة خارجيًا ويقلص العجز التجاري بمرور الوقت. كذلك يؤدي خفض الفائدة إلى تسهيل الاقتراض وتمويل الأعمال، وربما انتعاش مؤقت في سوق الأسهم نتيجة توفر سيولة رخيصة – إذ يحب المستثمرون بيئة المعدلات المنخفضة التي ترفع تقييمات الأصول.
ولكن من الجهة الأخرى، هذه السياسات تحفّز التضخم بقوة. إذ ليس منطقيًا محاربة تضخم مرتفع بخفض الفائدة وزيادة الرسوم وإضعاف الدولار، فكل ذلك سيزيد التضخم في النهاية  كما يحذر خبراء الاقتصاد. بالفعل، ستؤدي الفائدة المنخفضة والرسوم المرتفعة والدولار الضعيف مجتمعةً إلى ارتفاع تكلفة السلع الاستهلاكية (بسبب غلاء الواردات) وربما فورة في الأسعار مع ازدياد القدرة الشرائية الاسمية. لذا قد يجد الأمريكيون أنفسهم في موجة تضخمية قوية رغم وعود ترامب بخفض كلفة المعيشة .
دوليًا، ستعتبر الدول الأخرى هذه الخطوة حرب عملات معلنة: إذ قد يضغط ضعف الدولار على عملات المنافسين (اليورو، الين، وغيرها) نحو الارتفاع، مما يضر بصادراتهم هم. وربما تلجأ بعض البنوك المركزية الأجنبية لتخفيض عملاتها هي الأخرى حفاظًا على التنافسية، مما يشعل سباقًا عالميًا نحو خفض قيمة العملات.
هذا الوضع سيثير انتقادات واسعة؛ فخبراء معهد بروكنجز حذروا سابقًا أن خفض الدولار قد يدعم اقتصاد الصين وأوروبا أكثر مما يفيد أمريكا ويؤدي إلى ضربة مؤقتة للاقتصاد الأمريكي نفسه إضافة لإثارة انتقام الشركاء . رغم ذلك، يراهن ترامب وفريقه (بما فيهم المستشار التجاري روبرت لايتهايزر المؤيد لضعف الدولار ) على أن الفوائد بعيدة المدى – من تقليص العجز التجاري وتخفيف عبء الدين الأمريكي المتضخم عبر التضخم – تستحق هذا الثمن القصير المدى.
استفادة المستثمر العادي
على المستثمرين في هذه المرحلة الاستمرار في التحوّط ضد التضخم وضعف العملة. المعادن النفيسة ستظل خيارًا جذابًا؛ فمع تزايد المعروض النقدي، يحافظ الذهب والفضة على قوتهما الشرائية بل ويزدهران. كما يمكن للمستثمر توجيه بعض استثماراته نحو السلع الأساسية والأصول الحقيقية (مثل العقارات أو أسهم الشركات المرتبطة بالموارد) التي ترتفع قيمتها مع التضخم.
وبالنسبة لسوق الأسهم، قد نشهد ارتفاعات في المؤشرات بفضل السيولة الرخيصة، لكن هذا الارتفاع مصحوب بمخاطر فقاعة. ينبغي للمستثمر اليقظ تقييم قيمة الأسهم fundamental values بعناية؛ فقد يكون من الحكمة جني أرباح جزئي من الأسهم التي ترتفع بشكل يفوق أساسياتها، والتحوّط عبر أصول دفاعية استعدادًا لما قد يحدث لاحقًا. باختصار، استمتع بمكاسب السوق الصاعدة ولكن ابقِ يدك على زر الخروج السريع – فالخطوة التالية قد تحمل تصحيحًا حادًا وانفجارًا للفقاعات التي تتشكل الآن.
الخطوة الثالثة
انفجار الفقاعة وانهيار الأسواق (“ضربة وسط اللعبة”)
الهدف: تصحيح مسار الأسواق والاقتصاد عبر انفجار فقاعة الأصول التي تكوّنت بفعل التضخم والسيولة الزائدة، مما يمهّد لإعادة بناء أكثر صلابة. بعد فترة من الانتعاش الوهمي المدفوع بالائتمان الرخيص وضعف الدولار، تصل الاقتصاديات والأسواق إلى نقطة الإنهاك. تبدأ فقاعة سوق الأسهم بالتشكل نتيجة الإفراط في التفاؤل والسيولة، وكذلك ربما فقاعة في سوق العقارات أو الأصول الأخرى. هذه المرحلة قد تكون خداعًا ذاتيًا للاقتصاد؛ إذ يرى الناس المؤشرات ترتفع دون حدود رغم الأساسيات المهتزة (نمو اقتصادي بطيء وتضخم متصاعد).
عند مرحلة معينة، يفقد المستثمرون الثقة في استدامة هذا الارتفاع، أو يضطر الاحتياطي الفيدرالي لتغيير المسار ورفع الفائدة لكبح التضخم الجامح. النتيجة الحتمية هي انفجار الفقاعة: انهيار سريع في أسعار الأسهم وغيرها من الأصول المسعّرة بقيم مبالغ فيها.
النتائج المتوقعة
تنهار سوق الأسهم بشكل حاد ربما بنسبة كبيرة خلال فترة قصيرة، مشابهة لما حدث في انهيار 1929 أو انفجار فقاعة الإنترنت عام 2000. قيمة الثروات الورقية ستتبدد، مما يضعف إنفاق المستهلكين وثقة الأعمال. الاقتصاد الأمريكي سيدخل في حالة انكماش قوي؛ الكثير من الشركات التي اعتمدت على دين رخيص أو تقييمات غير واقعية ستواجه الإفلاس أو التخفيضات الكبيرة.
البطالة سترتفع بشكل ملموس مع بدء تسريح العمالة في القطاعات المتضررة. على جانب الأسعار، قد نشهد تحولًا من التضخم إلى انكماش الأسعار (ركود تضخمي يليها انكماش) – في البداية قد يبقى التضخم عاليًا لبعض الوقت (بفعل أسعار الواردات والدولار الضعيف)، لكن مع ركود الاقتصاد وتراجع الطلب بقوة ربما تتحول الحالة إلى كساد ينخفض معه المستوى العام للأسعار لاحقًا. عالميًا، أي انهيار في وول ستريت سيمتد تأثيره عبر الأسواق المالية كالنار في الهشيم؛
البورصات العالمية ستسجل تراجعات حادة متتابعة، وستتوقف حركة الاستثمار والأعمال الجديدة بشكل واسع.
الاقتصادات المرتبطة بأمريكا ستعاني ركودًا حادًا هي الأخرى – الصين ستشهد تراجعًا كبيرًا في صادراتها ربما اضطرابات مالية داخلية، أوروبا تدخل في انكماش، والأسواق الناشئة قد تواجه أزمات ديون مع هروب رؤوس الأموال إلى السيولة الآمنة.
بالنسبة إلى الدولار، المفارقة أنه قد يرتفع مؤقتًا في ذروة الأزمة كملاذ آمن تقليدي (رغم أن الأزمة نشأت في أمريكا، إلا أن الدولار يبقى الملاذ الأخير عالميًا في الذعر المالي)، بيد أن أي ارتفاع سيكون قصير الأجل إذا استمرت السياسات التوسعية؛ إذ ستعاود العملة الأمريكية الانخفاض مع عودة طبع النقود لإنقاذ الاقتصاد. إجمالًا، هذه الخطوة هي صدمة تصحيحية كبرى تؤدي إلى كساد اقتصادي مؤقت يتمثل في تراجع حاد بالنشاط الاقتصادي والأرباح والأسعار.
استفادة المستثمر العادي
من اتبع النصائح السابقة سيكون قد حمى جزءًا كبيرًا من ثروته. حائزو الذهب مثلًا سيجدون أن المعدن النفيس ربما ارتفع إلى مستويات قياسية جديدة وسط الذعر المالي (توقع بعض المحللين أن يتجاوز الذهب $3000 للأونصة في سيناريو كهذا).
لذا يمكن في هذه المرحلة جني بعض الأرباح من الذهب والملاذات الآمنة التي ارتفعت قيمتها، من أجل توفير سيولة نقدية لاستغلال الفرص القادمة. أهم نصيحة هنا هي عدم الذعر: فخروج الأسواق عن السيطرة وتصاعد الأخبار السلبية هو جزء متوقع من الخطة. على المستثمر التحلي بالانضباط وعدم بيع الأصول القيّمة بخسارة فادحة في قاع الأزمة. من ناحية أخرى، هذه فرصة ذهبية لمن يحتفظ بالسيولة: بعد انفجار الفقاعة، كثير من الأسهم القوية ستصبح رخيصة للغاية بشكل لا يعكس إمكاناتها الحقيقية. سيكون بوسع المستثمر الذي حضّر نفسه مسبقًا أن يقتنص صفقات مغرية في أسهم شركات رائدة أو أصول عقارية بسعر زهيد.
بكلمات أخرى، الانهيار يسبق الازدهار في هذا السيناريو؛ فالتراجع الحاد يهيئ الأرضية للعودة القادمة للنمو. يعرف د. سامح مسلم وترامب أن هذا الانهيار مرحلي و”ضروري” لإزالة التشوهات الاقتصادية – لذا من يفهم الرؤية طويلة المدى سيتمكن من تحويل هذه المحنة إلى مكاسب مستقبلية كبرى.
الخطوة الرابعة
الكساد المؤقت (مرحلة التضحية وإعادة الضبط)
الهدف: امتصاص الصدمة وإعادة ترتيب القطع على رقعة الاقتصاد بعد الانهيار، استعدادًا لانطلاقة جديدة. بعد انهيار الأسواق، تدخل الولايات المتحدة في حالة كساد اقتصادي مؤقت – ركود عميق يتسم بتراجع كبير في الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع البطالة وإفلاسات متزايدة. تعتبر هذه المرحلة بمثابة التضحية المؤقتة والمؤلمة لتحقيق الإصلاح الجذري. يراهن واضعو الخطة على أن هذا الكساد، رغم قسوته، سيكون قصير الأمد نسبياً إذا ما قورن بالكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين الذي استمر نحو عشر سنوات .
خلال هذه الفترة العسيرة، ربما تضطر الإدارة لاتخاذ إجراءات استثنائية لتحقيق الاستقرار: كـإعادة هيكلة الديون المتراكمة (قد تفكر مثلاً في مبادرات لإطالة آجال الدين العام أو حتى تجميد مؤقت لبعض المستحقات، خاصة الدين الخارجي، بهدف تخفيف العبء)، أو إطلاق مشاريع قومية لخلق الوظائف (مثل برنامج أشغال عامة واسع النطاق) لامتصاص البطالة. قد يتم أيضًا إصلاح النظام المالي جذريًا – ليس مستبعدًا أن يستغل ترامب الفرصة لـتفكيك بعض عناصر النظام المالي القديم التي يعتبرها معيقة (كما تكهنت بعض التقارير )، وربما العودة إلى معيار نقدي أكثر صلابة (هناك من ألمح إلى إمكانية ربط الدولار بالذهب مجددًا عند سعر مرتفع بعد أن تضاعفت قيمة الذهب).
الهدف النهائي هنا هو إعادة تأسيس نظام اقتصادي أمريكي أقوى على أنقاض الفقاعة المنفجرة، بما يشمل تنظيف الديون الضعيفة، وإعادة هيكلة سلاسل التوريد لصالح الإنتاج المحلي، وترسيخ سياسات تحمي الصناعات الوطنية على المدى الطويل.
النتائج المتوقعة
سيكون هذا الكساد قاسيًا اجتماعيًا واقتصاديًا لكنه يضع أساس التعافي. في الولايات المتحدة، قد يصل معدل البطالة لمستويات من خانتين مئويتين خلال أسوأ فترات الكساد. العديد من الأعمال ستغلق أبوابها، خاصة تلك التي كانت تعتمد على تمويل سهل أو تجارة دولية حرة تضررت من الحرب التجارية. سيتراجع الناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد – ربما انكماش بنسبة 5-10% أو أكثر سنويًا لفترة قصيرة. الحكومة الفيدرالية سترزح تحت عجز مالي ضخم بفعل تراجع الإيرادات الضريبية وزيادة الإنفاق على إعانات البطالة والتحفيز الاقتصادي. سعر الدولار في هذه المرحلة قد يكون منخفضًا جدًا مقارنة بما كان عليه قبل الخطة (نتيجة السياسة المتعمدة لإضعافه)، مما يرفع القدرة التنافسية للشركات الأمريكية في الداخل والخارج حالما يبدأ الطلب بالعودة.
التضخم سيكون متقلبًا؛ في بداية الكساد قد يهبط التضخم وربما ندخل في انكماش أسعار (نتيجة انهيار الطلب)، لكن على مدى هذه الفترة قد يبقى التضخم الإجمالي أعلى من المعتاد بسبب السياسة النقدية التوسعية المستمرة – أي ركود تضخمي يجمع بين الانكماش الاقتصادي وارتفاع أسعار بعض السلع المستوردة. عالميًا، الكثير من الدول ستعاني كسادًا متزامنًا وربما أشد عمقًا: الدول التي تعتمد على التصدير لأمريكا (مثل ألمانيا، الصين، المكسيك…) ستواجه انهيار طلب على صادراتها، وقد تضطر لاتخاذ إجراءات تقشفية أو تعاني اضطرابات اجتماعية.
النظام المالي العالمي سيواجه ضغوطًا عنيفة – بنوك قد تفلس في بعض الدول الأضعف، بعض العملات الأجنبية قد تنهار قيمتها أمام الدولار (رغم ضعف الدولار، إلا أن عملات أخرى قد تكون أسوأ حالًا مما يجعل الدولار نسبياً ملاذًا لهم). وربما نشهد تغييرات سياسية كبرى عالميًا نتيجة هذا الكساد (سقوط حكومات، تصاعد تيارات شعبوية في أوروبا وغيرها احتجاجًا على الأوضاع). كل ذلك يمثل ما يشبه إعادة الضبط الكبرى للاقتصاد العالمي.
مدة الكساد والتعافي المتوقع: يتوقع لوبي ENABLE أن يمتد هذا الكساد المؤقت نحو 1 إلى 2 عام تقريبًا. فمع كل الألم الاقتصادي في 2025 و2026، تظهر المؤشرات أن أسس الانتعاش تُبنى خلال هذه الفترة (عبر التصحيح الداخلي وعودة الصناعات). وبحلول أواخر 2026 أو عام 2027 على أبعد تقدير، يُفترض أن يبدأ التعافي الاقتصادي الواضح وتتبدد مشاعر الذعر.
أي أن خطة ترامب لا تتوقع كسادًا طويلًا كالكساد العظيم (1929-1939) ، بل ركودًا حادًا قصير الأجل يتبعه انتعاش قوي. هذا التصور يستند إلى دروس التاريخ وإلى ثقة د. سامح مسلم في مرونة الاقتصاد الأمريكي وقدرته على النهوض متى ما أزيلت الاختلالات الكبيرة وأُعيدت هيكلته بصورة صحيحة.
استفادة المستثمر العادي
خلال الكساد، أهم ما يمكن للمستثمر فعله هو حماية ما يملكه وانتظار الفرصة السانحة. إذا كان قد تحوّط بالذهب أو السيولة، فليحافظ عليها لأنها ستكون طوق النجاة في هذه الفترة العصيبة. من لديه سيولة أو ذهب مخزّن يستطيع استغلال بعض الفرص الانتقائية حتى في عمق الكساد – مثلاً قد تظهر عقارات بأسعار زهيدة جدًا نتيجة حالات التعثر، أو سندات شركات ممتازة تم بيعها بأسعار منخفضة (بعوائد عالية) بسبب الذعر.
على المستثمر أن يكون صبورًا ومدركًا أن هذه المرحلة مؤقتة وضرورية ضمن الخطة؛ فلا جدوى من اليأس أو بيع الأصول الجيدة لمجرد الخوف. بدلًا من ذلك، راقب السياسات الحكومية والتحولات؛ فعندما تلوح بوادر انتهاء الكساد – كاستقرار البطالة أو بدء صعود طفيف في الإنفاق – يكون الوقت قد حان للانتقال إلى المرحلة المقبلة من الاستثمار الهجومي للاستفادة من التعافي.
الخطوة الخامسة
التعافي الكبير وإعادة الهيمنة الأمريكية
الهدف: إطلاق نهضة اقتصادية أمريكية شاملة بعد التصحيح، بحيث تخرج الولايات المتحدة أقوى مما كانت عليه وتفرض شروطها على النظام الاقتصادي العالمي لعقود مقبلة. في هذه المرحلة النهائية، تؤتي الخطوات السابقة ثمارها: يبدأ الاقتصاد الأمريكي بالتعافي بقوة مدفوعًا بأساسيات أكثر صلابة. فقد أدّت السياسات السابقة – رغم آلامها – إلى تحسين جوهري في ميزان القوى الاقتصادية لصالح أمريكا.
فبفضل الحرب التجارية وإضعاف الدولار، عاد عدد كبير من خطوط الإنتاج والاستثمارات إلى داخل الولايات المتحدة هربًا من الرسوم، مما خلق وظائف وأعاد إحياء قطاع التصنيع (وهو ما كان ترامب يعد به كهدف “النهوض بالصناعة الأمريكية” ). كما أن ضعف الدولار خلال السنوات السابقة جعل الصادرات الأمريكية تنافس بقوة في كل الأسواق وقلّل الاعتماد على الواردات، ما حسّن الميزان التجاري الأمريكي بشكل غير مسبوق.
هذا إلى جانب أن التضخم (المدروس) الذي حصل خلال الخطة ساهم في تخفيض القيمة الحقيقية للديون الأمريكية المتراكمة؛ فالدولار الأرخص يعني أن واشنطن يمكنها سداد ديونها القديمة بعملة أضعف قيمتها الفعلية أقل – نوع من إعادة الضبط المالي الضمني. كذلك فإن العجز في الموازنة سيتراجع تلقائيًا مع عودة النمو وارتفاع الإيرادات (إضافة لتلاشي الإنفاق التحفيزي الاستثنائي)، مما يساعد في استقرار المالية العامة التي كانت قد تحملت عبئًا كبيرًا خلال الكساد.
النتائج المتوقعة
تجد الولايات المتحدة نفسها مع اقتصاد أكثر تنافسية وديناميكية. سوق الأسهم التي انهارت تعود للصعود على أسس سليمة هذه المرة، يقودها نمو فعلي في أرباح الشركات الصناعية والتكنولوجية التي استفادت من سياسات إعادة توطين التصنيع. المستثمرون الذين اشتروا في القاع يجنون الآن أرباحًا ضخمة مع تعافي الأسعار إلى مستوياتها ما قبل الأزمة بل وتجاوزها.
سعر الدولار قد يستقر عند مستوى أدنى من السابق لكنه أكثر استقرارًا – وربما تفاجئ الإدارة الأسواق بإجراءات لتعزيز الثقة بالدولار كربطه جزئيًا بالذهب أو سلة عملات (بعد أن جمعت أمريكا كميات كبيرة من الذهب خلال الفترة السابقة بأسعار منخفضة نسبيًا)، ما يمنحه موثوقية طويلة المدى ويعزز هيمنته المستقبلية. على الصعيد العالمي، ستجد العديد من الدول نفسها خاسرة في سباق التعافي مقارنة بأمريكا؛ فقد خرجت بعض الاقتصادات المنافسة منهكة مالياً (مثل الصين التي تراجعت قدرتها على المنافسة أمام الصناعة الأمريكية المزدهرة، وأوروبا التي عانت كسادًا سياسياً واقتصادياً أعمق).
هذا سيمكن الولايات المتحدة من فرض شروطها في اتفاقيات تجارية جديدة تعيد تشكيل سلاسل التوريد العالمية لصالحها. بكلمات أخرى، تُرسَّخ الهيمنة الأمريكية اقتصاديًا مجددًا – تمامًا كما خطط له لوبي ENABLE – وتستعيد الولايات المتحدة موقعها في القمة كقوة اقتصادية لا تُنازع. الرئيس ترامب سيظهر بمظهر المنتصر الذي قاد البلاد عبر “معركة اقتصادية عالمية” وخرج بها إلى “عصر ذهبي” جديد لأمريكا . وربما يستخدم هذا النجاح لطرح إصلاحات هيكلية طويلة المدى (كتعديل النظام التجاري العالمي عبر منظمات مثل منظمة التجارة العالمية بما يخدم المصالح الأمريكية أولًا).
استفادة المستثمر العادي: هذه هي مرحلة جني الثمار للمستثمر الصبور والفطن. فبعد سنوات من التحوط والانتظار، حان الوقت لجني أرباح الاستثمارات بعيدة المدى. من اشترى الذهب في البداية يمكن أن يبيع جزءًا منه الآن بأسعار تاريخية ويُعيد استثماره في أصول منتجة. محافظ الأسهم التي كوّنها المستثمر خلال قاع الأزمة ستنمو الآن بوتيرة متسارعة مع صعود السوق في دورة انتعاش جديدة – وكثير من تلك الأسهم قد تتضاعف قيمتها عدة مرات من قيعانها. القطاعات الواعدة تشمل التصنيع والطاقة والبنية التحتية، حيث تحفز الحكومة نموًا مستدامًا.
أيضًا القطاع التكنولوجي الأمريكي سيستفيد من البيئة المواتية والنظام المالي المعاد تنظيمه، مما يعني فرصًا أكبر للابتكار والنمو (وربما فقاعة جديدة في المستقبل البعيد، لكن ذلك موضوع آخر!). على المستثمر أيضًا أن يتعلم دروس الماضي: فهذه الدورة بين انهيار وازدهار أثبتت جدوى التنويع والتحوط والصبر. مع دخول الاقتصاد الأمريكي حقبة ازدهار، يمكن للمستثمر العادي زيادة انكشافه على الأسهم والاستثمارات المنتجة، والاستفادة من قوة الدولار المستقرة لإجراء استثمارات خارجية أيضًا. المهم أنه بات في موقع القوة بعد أن اجتاز العاصفة واستفاد من كل مرحلة: تحوّط بالذهب قبل التضخم، اشترى الأسهم في القاع، والآن يحصد العوائد في القمة.
خلاصة
ترسم خطة لوبي ENABLE بقيادة د. سامح مسلم مسارًا اقتصاديًا جريئًا ومتدرجًا، وثق الدكتور مسلم في أن الرئيس ترامب سينفذه خطوة بخطوة لجعل أمريكا عظيمة مجددًا على المدى البعيد. تبدأ الخطة بحرب تجارية تعيد رسم ميزان التجارة ، ثم بخفض متعمد لقيمة الدولار رغم الجدل ، مما يؤدي إلى فقاعة تعقبها انهيار مُسيطر عليه، يلي ذلك كساد قصير المدى كفترة لإعادة الهيكلة، وأخيرًا نهضة اقتصادية تعيد الولايات المتحدة إلى القمة.
هذه الاستراتيجية الشاملة تربط بين السياسات التجارية والنقدية والمالية في نهج واحد متناغم؛ فرغم النقد الشديد من خبراء تقليديين وتحذيراتهم من ركود أو كساد ، يؤمن لوبي ENABLE أن العبقرية تكمن في ترتيب هذه الخطوات وترابطها لتحقيق هدف نهائي عظيم. وفي نهاية المطاف، إذا سارت الأحداث كما خُطط لها، ستدخل أمريكا والعالم فصلًا اقتصاديًا جديدًا، تكون فيه الريادة للولايات المتحدة بفضل هذه النقلات الاستراتيجية المدروسة.
وكما قال ترامب، قد يكون هذا حقًا “أحد أهم الأيام في التاريخ الأمريكي” – يوم بدأت سلسلة الإجراءات التي غيرت وجه الاقتصاد العالمي .