مصر

خبير اقتصادي: ما هو مستقبل اقتصاد الجيش والقطاع العام في مصر بعد اشتراط صندوق النقد الدولي بتقليص حجمهما؟

عبد الحافظ الصاوي
خبير اقتصادي مصري،
عبد الحافظ الصاوي
خبير اقتصادي مصري

حل أزمة الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي بعد الموافقة على المراجعات الأولى والثانية المرتبطة بقرض ديسمبر 2022. تم زيادة قيمة القرض بمبلغ 5 مليارات دولار، ليصل إجمالي القرض إلى 8 مليارات دولار. ولكن كانت هناك شروط مرتبطة بهذه الموافقة، منها وجود سعر صرف مرن ورفع سعر الفائدة.

ومن بين الشروط الهامة التي تم الإشارة إليها في بيان صندوق النقد الدولي، كان الحد من الاستثمار العام وتعزيز تكافؤ الفرص لصالح القطاع الخاص كمحرك للنمو. تمت مناقشة خصخصة بعض شركات الجيش على مدى السنوات الثلاث الماضية، ولكن لم يتم تنفيذها بعد.

وكان تباطؤ الحكومة المصرية في خصخصة الشركات، خاصة شركات الجيش، وعدم الموافقة على تخفيض قيمة العملة من الأسباب التي أدت إلى عدم اعتماد مراجعات صندوق النقد الدولي مع مصر.

اقتصاد الجيش

تقدر قيمة اقتصادات المشروعات المدنية للجيش في مصر بنسبة تتراوح بين 2% و3% وفقًا لتقديرات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ومع ذلك، يعتقد بعض الخبراء الاقتصاديين أن هذه القيمة تصل إلى حوالي 40%.

ومن الملاحظ أن مساهمة الشركات التابعة للجيش في الاقتصاد المدني قد توسعت بشكل كبير بعد الانقلاب الذي وقع في عام 2013. وفقًا لدراسة يزيد صايغ في مركز كارنيجي، فإن القيمة الصافية للشركات العسكرية والإنتاج العسكري للسلع والخدمات أقل بكثير مما يعتقده الكثيرون، ولكنها أكبر بكثير مما كانت عليه في الماضي.

توسع الجيش في العقود الأخيرة في عدة مجالات اقتصادية، مثل التطوير العقاري وإنشاء مجمعات صناعية ونقل واستخراج المواد الطبيعية، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات مع القطاع الخاص وزيادة رأس المال العام من خلال الاستثمارات الخاصة.

ووفقًا لأرقام الموازنة العامة للدولة، فإن ميزانية الجيش، التي تشمل الباب الخامس وميزانية الجيش، قد ارتفعت من 41 مليار جنيه في العام المالي 2013-2014 إلى 145 مليار جنيه في موازنة 2023-2024.

وبموجب الدستور، يتم عرض ميزانية الجيش في الموازنة العامة للدولة من خلال ما يعرف بميزانية السطر الواحد، والتي يتم مناقشتها في لجنة خاصة.

ويجدر بالذكر أن توسعة نشاط الجيش في المجال الاقتصادي قد تسببت في تصفية بعض الشركات العامة والقيام بأنشطة مشابهة، مثلما حدث في قطاعي الحديد والأسمنت، وأيضًا في منافسة القطاع الخاص في مجال السلع الاستهلاكية، خاصة تلك التي يتم استيرادها من الخارج.


أهمية القطاع الخاص

تقرير متابعة الخطة العامة للدولة، الصادر عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية في مصر، أظهر أن مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي تقدر بنحو 68%-69% في العام المالي 2020-2021. ومع ذلك، يجب فهم طبيعة هذه المساهمة بشكل دقيق، حيث يعود ارتفاع هذه النسبة إلى أن الاستهلاك يشكل الجزء الأكبر من مكونات الناتج المحلي الإجمالي، والتي تشمل الاستهلاك والاستثمار وصافي صادرات السلع والخدمات.

وعند النظر إلى أرقام الناتج المحلي لمصر في عام 2020-2021 وفقًا لتقرير المتابعة، نجد أنها بلغت 6.3 تريليون جنيه (401 مليار دولار بسعر صرف 15.7 جنيه للدولار). وفي نفس الوقت، بلغ الاستهلاك الخاص 5.5 تريليون جنيه (350 مليار دولار بسعر صرف 15.7 جنيه للدولار)، وهذا يمثل 88% من الناتج المحلي الإجمالي. وهنا يكمن المشكلة في أن مساهمة القطاع الخاص تأتي في إطار الاستهلاك وليس الإنتاج.

وقد يوضح معرفة حصة القطاع الخاص في الاستثمارات الكلية المنفذة في مصر خلال عامي 2019-2020 و2020-2021 مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي بشكل أوضح. فقد بلغت الاستثمارات المنفذة من القطاع الخاص نسبة 38.3% و24.5% على التوالي.

وإذا افترضنا أن الأنشطة الاقتصادية تأثرت بشكل سلبي بتداعيات أزمة كورونا في عام 2020-2021، فإنه يمكننا قياس الوضع في عام 2019-2020. وبالتالي، فإن استثمارات القطاع الخاص المنفذة في أفضل حالاتها لا تتجاوز 40%.

إشكالية تصنيف اقتصاد الجيش

تتمثل إشكالية تصنيف اقتصاد الجيش في أن الجيش، كمؤسسة تابعة للدولة وتحديدًا للسلطة التنفيذية، يسيطر على جزء كبير من الأنشطة الاقتصادية المدنية، وخاصة تلك المتعلقة بتنفيذ المشروعات العامة. ومع ذلك، يتم تنفيذ هذه المشروعات من قبل شركات القطاع الخاص بواسطة الجيش، ويتم تصنيفها على أنها تمت من خلال القطاع الخاص، على الرغم من أن الجزء الكبير من الأرباح يذهب إلى شركات الجيش. ومثال جيد على ذلك هو ما يحدث في العاصمة الإدارية الجديدة.

و فيما يتعلق بمستقبل الأنشطة الاقتصادية للجيش في القطاع المدني، هل سينسحب الجيش من هذه الأنشطة؟ يتضمن برنامج صندوق النقد الدولي خطة لخصخصة العديد من المشروعات العامة في مصر. وبالتالي، هناك سيناريوين محتملين في المستقبل. السيناريو الأول هو أن ينسحب الجيش تدريجيًا من الأنشطة الاقتصادية المدنية عن طريق عدم التوسع في نطاق أعمالها الحالي، وتوقف تولي العسكريين إدارة المشروعات العامة أو استخدام البرلمان لإصدار تشريعات تمهد الطريق لاستحواذ شركات الجيش على المشروعات.

السيناريو الثاني هو طرح شركات الجيش لعملية الخصخصةتدريجياً ، سواء كانت محلية أو أجنبية، وهذا يتطلب وقتًا طويلاً لتقييم الأصول وتحديد الموقف المالي لهذه الشركات.

إذا تمت خطوة خروج الجيش من الأنشطة الاقتصادية المدنية، ستتاح فرصة كبيرة للقطاع الخاص، ولكن هذا يتطلب إعادة تأهيل كبيرة لإمكانياته المادية والتقنية، خاصة بعد فترة تقليص النشاط لأكثر من عقد.

التحدي الذي سيواجه القطاع الخاص، في حالة خروج الجيش من النشاط الاقتصادي، هو تشكيل كيانات كبيرة من خلال الشركات المساهمة، وخاصة أن المدخرات غير الرسمية في مصر متاحة بشكل كبير، وتتعرض بشكل متكرر للهدر من خلال أنشطة “المسترحين” أو توظيف الأموال بطرق غير قانونية.

يشير مصطلح الهدر إلى فقدان المواطنين لأموالهم التي يعطونها لأفراد بشكل شخصي لتوظيفها بهدف الحصول على عائد أعلى من البنوك، وفي هذه الحالة يتم توجيه أموال المدخرين في أنشطة غير مضمونة أو غير موثقة وقد يتم فقدانها بالكامل أو استرداد جزء منها.

لن تكون هناك قائمة لاقتصادات القطاع العام بعد الآن. بل سيتم تقليص هذه الشركات بشكل كبير خلال الفترة القادمة، وستصبح ملكية الدولة فيها حصص صغيرة لا تؤثر في قرارات إدارتها.

و سيتم فتح الباب على مصراعيه للاستثمارات الأجنبية، سواء من حكومات أو من القطاع الخاص.

دول الخليج قد تكون صاحبة النصيب الأكبر في هذا المجال، وقد تقوم بتحويل ودائعها في البنك المركزي المصري إلى أصول رأسمالية لمشروعات جديدة. السعودية، التي تمتلك أكبر رصيد من الودائع الأجنبية في البنك المركزي المصري، قد تكون من بين الدول التي تتبع هذا النهج.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى