مستنقع الفساد في نظام الأدوية بمصر .. نقص الأنسولين ودواء الضغط وارتفاع الأسعار
في ظل الأزمة الصحية المتزايدة وارتفاع معدل الاصابة بالأمراض المزمنة في مصر، تتجه الأنظار إلى النظام الصحي وأدوية المرضى الذين يعتمدون على الأدوية الأساسية مثل الأنسولين ودواء ضغط الدم.
وتشير التقارير الأخيرة إلى وجود نقص حاد في الأدوية في الصيدليات، مما يثير تساؤلات جدية حول أسباب هذا النقص، والفساد المحتمل في هذا القطاع الحيوي.
نقص الأنسولين: أزمة مرضى السكر
يُعتبر الأنسولين من الأدوية الأساسية لمرضى السكري، ومع ذلك، يشكو كثيرون من نقص الأنسولين في الصيدليات.
وتقول هالة الشبكشي، مريضة سكري تبلغ من العمر 45 عامًا: “لقد عانيت من صعوبة في العثور على الأنسولين في الصيدليات المحلية.
وأحيانًا أضطر للبحث في عدة صيدليات، وقد أجد نفسي في النهاية دون دواء”. حالة هالة تتكرر يوميًا في العديد من العائلات المصرية التي تعاني من مشكلة نقص الأنسولين.
وبحسب بيانات رسمية، يُظهر أن نسبة مرضى السكري في مصر تقترب من 10% من السكان البالغين، مما يستدعي الحاجة إلى تأمين الأنسولين بشكل فعّال لضمان عدم تعرض المرضى للخطر.
لكن مع عدم وجود الأنسولين في الصيدليات، يُصبح هؤلاء المرضى عرضة لمضاعفات صحية قد تهدد حياتهم.
انتهاكات النظام: صيدليات تفتقر للأدوية الأساسية
يشير الأطباء والصيادلة إلى أن نقص الأدوية يأتي نتيجة لعدة عوامل، من بينها الفساد المستشري في نظام توزيع الأدوية.
وتقول منى عبدالفتاح، صيدلانية تعمل في إحدى الصيدليات: “هناك تحكم كبير من بعض الشركات الكبرى في السوق، مما يؤدي إلى أن يختفي الأنسولين من بعض الصيدليات بينما يتوافر في غيرها، وهذا يتسبب في معاناة للمرضى”.
تسهم الازدواجية في تسعير الأدوية وعدم تقييم الأسعار بشكل عادل في زيادة المشكلات.
والصيدلي عماد مرسي، يشير إلى أن “الأدوية المضادة للسكري أصبحت باهظة الثمن، والفئة المتوسطة لا تستطيع تحمل هذه التكاليف”.
دواء الضغط وارتفاع الأسعار: أزمة اجتماعية
إلى جانب الأنسولين، يُعاني مرضى ضغط الدم أيضًا من نقص حاد في الأدوية. يشكو الكثيرون من أن الأدوية التي يتناولونها لم تعد متاحة بسهولة في السوق.
ويروي أحمد حسني، مريض ضغط دم، قصته، حيث يضطر في بعض الأحيان إلى استلاف الأدوية من أصدقائه نظرًا لعدم توفرها في الصيدليات.
ارتفاع أسعار الأدوية الأساسية هو أزمة تقض مضجع الكثير من المصريين. وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية، زادت أسعار الأدوية في مصر بنسبة 30% خلال السنة الماضية، مما جعل المرضى يعانون من ضغوط مالية كبيرة.
ويُعلق أحد الاقتصاديين على الوضع قائلًا: “يجب أن تُخضع أسعار الأدوية للرقابة لضمان حصول الفئات الضعيفة على ما يحتاجونه من أدوية”.
الفساد في القطاع الصحي: يلقي بظلاله على مستقبل الصحة
يلعب الفساد دورًا كبيرًا في هذه الأزمة، حيث يحقق البعض أرباحًا هائلة في ظل نقص الأدوية. يشير مراقبون إلى وجود شبكات متداخلة بين بعض الشركات المصنعة للأدوية، تجار السوق السوداء، والصيدليات، مما يجعل الوصول إلى الأدوية الأساسية أصعب مما ينبغي.
يقول محمد أنور، ناشط في حقوق الإنسان: “هذا الفساد يقتل المرضى في صمت، حيث لا يتلقى المسؤولون العقوبات المناسبة”.
ويضيف: “من المثير للقلق أن نجد أن من هم في السلطة هم أنفسهم من يتحكمون في توزيع الأدوية. هذا يعد فشلًا كبيرًا للسياسيين”.
شهادات المواطنين: تنبيه ودعوة للتغيير
تستمر الشهادات التي تتحدث عن معاناة المواطنين في تخفيف الأعباء عن مرضى السكري وضغط الدم.
وتتحدث صوفي حبيب، سيدة في الستين من عمرها، قائلة: “لقد فقدت العديد من أصدقائي بسبب نقص الأنسولين وارتفاع أسعار الأدوية. يجب على الحكومة أن تتدخل بسرعة”.
تعتبر هذه الأصوات ضرورية لتحسين الوضع. إن تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في قضايا الفساد في قطاع الأدوية قد يُعتبر خطوة هامة لبدء الإصلاح.
دعوة للمسؤولين: الحاجة إلى إجراءات سريعة وحاسمة
يجب على المسؤولين أن يتخذوا إجراءات سريعة للتعامل مع هذه الأزمة. يُعد تحسين نظام توزيع الأدوية وضمان وجود الأدوية الأساسية في الصيدليات حلًا ملموسًا.
ويجب أن تُخصص الحكومة موارد أكبر لدعم صناعة الأدوية المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات.
كما يتطلب الوضع الحالي العمل على تحسين الشفافية في تسعير الأدوية ومراقبة السوق بصفة دورية.
ومن المهم أيضًا تعزيز ثقافة حقوق المرضى وحمايتها، من خلال توفير المعلومات والتوعية حول كيفية الحصول على الأدوية في أوقات الأزمات.
مسؤولية مشتركة لحماية المجتمع
تجاوز نقص الأنسولين ودواء الضغط في الصيدليات مسألة تختلف عن قضايا عدة، إذ تمس أعراض الصحية والاجتماعية للأسر المصرية.
بينما يستمر الفساد في التأثير سلبًا على الحياة اليومية للمرضى، فإن الأمر يتطلب تفاني المجتمع من أجل المطالبة بالتغيير الجذري.
إن مسألة العلاج والدواء تعد حقًا أساسيًا لكل مواطن، ويجب أن تقود إلى تحرك جماعي من جميع فئات المجتمع، بما في ذلك المسؤولين، النشطاء، والمواطنين العاديين.
ومن الممكن تحقيق التغيير إذا توحدت الجهود وطُبقت سياسات فعّالة، تدعم حقوق المرضى في مصر، لضمان عدم تعرض أي شخص للألم أو الخسارة بسبب نقص الأدوية.