مفيش فايدة: صرخة من داخل الوفد ضد الفساد والانحراف
تردد كثيراً مقولة الزعيم الوطني الراحل سعد باشا زغلول: “مفيش فايدة”، معبرةً عن إحباطه العميق من الأحداث السياسية التي كانت تحيط بمصر في ذلك الوقت.
واليوم، وبعد مرور عقود طويلة على تلك الفترة، نجد أن ذات المقولة تتردد على ألسنة أعضاء حزب الوفد، ولكن ليس من باب الاستسلام، بل كصرخة غضب ورفض ضد الفساد والانحراف عن مبادئ الحزب التي كانت دائماً رمزًا للحرية والديمقراطية.
“نعم، مفيش فايدة في السكوت على تجاوزات ومخالفات تحدث داخل أروقة حزبنا”، يقول أحد أعضاء الوفد البارزين. ويضيف: “لا يمكننا البقاء صامتين على هذا الواقع المرير”.
يمامة ومحسب: رمزان للفشل في الإدارة
أصبح أعضاء حزب الوفد أكثر وضوحًا في انتقاداتهم للقيادة الحالية المتمثلة في رئيس الحزب، يمامة، ورئيس مجلس إدارة جريدة الوفد، محسب.
ومنذ أن تولى يمامة قيادة الحزب، لم تُفتح مقرات جديدة للحزب، ولم يتم إجراء أي عملية تنقية لعضوية الجمعية العمومية، التي ما زالت تحتوي على أسماء الموتى والمنتقلين لأحزاب أخرى.
أحد الأعضاء المخضرمين داخل الحزب، أحمد علي، يعبر عن استيائه قائلاً: “منذ أن استلم يمامة زمام الأمور، لم نرَ أي تغيرات في التشكيلات التنظيمية، ولم نرَ أي استجوابات من نواب الوفد. حتى الاجتماعات التنفيذية أصبحت شبه منعدمة”.
ويضيف: “الوضع داخل الجريدة لا يختلف كثيرًا، فقد فقدت جريدة الوفد مضمونها الأساسي وتحولت إلى صحيفة بلا روح، خالية من القضايا التي تمثل المواطن البسيط”.
غياب الاستجوابات والتجاهل المستمر
في ظل غياب الاستجوابات البرلمانية وتجاهل القضايا الرئيسية التي تمس المواطنين، أصبح من الواضح أن نواب الوفد في البرلمان لا يمثلون الحزب بقدر ما يمثلون مصالحهم الشخصية.
“لقد فقد نوابنا هويتهم كمعارضة حقيقية، وأصبحوا مجرد أداة في يد النظام”، يعلق سامح حسن، أحد أعضاء الهيئة العليا للحزب.
وفي ظل هذا التجاهل، لم يتم عرض ميزانية الحزب على الجمعية العمومية أو الهيئة العليا، ولم يتم الإفصاح عن مصير شيكات النواب التي تحوم حولها الكثير من التساؤلات.
ميزانية انتخابات الرئاسة: أين ذهبت الأموال؟
تتساءل العديد من الأصوات داخل الحزب عن مصير ميزانية الانتخابات الرئاسية والتبرعات التي تم جمعها خلال تلك الفترة.
“لم نرَ أي شفافية في هذا الملف. أين ذهبت تلك الأموال؟ لماذا لم يتم الإعلان عن الميزانية بشكل رسمي؟”، يتساءل حسين عبدالجليل، عضو نشط داخل الحزب.
المطالب بسحب الثقة: الوفد بين الرفض والصمت
في ظل هذه الأوضاع المتردية، تزداد الأصوات المطالبة بسحب الثقة من يمامة ومحسب، حيث يعتبر العديد من الأعضاء أن الاثنين فشلا في إدارة الحزب والجريدة على حد سواء.
“يمامة فشل في فتح مقرات جديدة أو إجراء أي تغييرات تنظيمية داخل الحزب، بينما تحولت الجريدة إلى مجرد وسيلة لنشر الأخبار التافهة”، يقول محمد مصطفى، أحد الأعضاء الشباب بالحزب.
وتابع: “إذا استمر الوضع على هذا الحال، فلن يبقى للوفد أي تأثير حقيقي في الحياة السياسية المصرية”.
أعضاء الهيئة العليا: بين الرفض والخضوع
تنقسم الهيئة العليا لحزب الوفد إلى معسكرين .. المعسكر الرافض للفساد والتجاوزات، والمعسكر الخاضع للوعد بالسلطة والمناصب.
“الفرق بين الفريقين مثل السماء والأرض”، يقول خالد عبد السلام، أحد أعضاء الهيئة العليا.
“الرافضون هم الفرسان الحقيقيون للوفد، ولا يسعون للمناصب، بينما الخاضعون يضحون بمبادئ الحزب في سبيل مصالحهم الشخصية”.
الوهم الانتخابي: الكراسي المباعة سلفاً
يشعر العديد من أعضاء الوفد بأنهم قد تم خداعهم بوعد الحصول على مقاعد في الانتخابات المقبلة.
“يمامة سيبيع تلك الكراسي كما باع كل شيء آخر، وفي النهاية سنخرج من المولد بلا حلاوة”، يقول إبراهيم حسن، أحد الأعضاء الغاضبين من سياسات الحزب الحالية.
“لقد تم وعدنا بمقاعد في البرلمان، ولكن الحقيقة هي أن تلك المقاعد قد بيعت سلفاً لمن يدفع أكثر”، يضيف عمرو خليل، عضو آخر بالحزب.
مستقبل الحزب: هل ينتهي الوفد عند هذا الحد؟
بينما يتصاعد الغضب داخل صفوف الحزب، يظل السؤال الأكبر هو: هل يمكن إنقاذ حزب الوفد من هذا المستنقع؟ “الفرصة لم تنتهِ بعد”،
ويقول نادر شريف، أحد الأصوات الشابة داخل الحزب. “علينا الانحياز إلى الوفديين الحقيقيين وإعادة بناء الحزب من جديد”.
وفي هذا السياق، تبرز مطالبات عديدة بسحب الثقة من يمامة ومحسب واستبعادهم من كل مناصبهم، في محاولة لإنقاذ ما تبقى من الحزب.
جريدة الوفد: من يمثلها ومن يديرها؟
إحدى القضايا المثيرة للجدل داخل الحزب هي دور جريدة الوفد، التي فقدت تأثيرها بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.
“نريد توضيحاً من رئيس مجلس إدارة الجريدة حول حضوره لقاء مع وزير الخارجية دون أي صفة رسمية، وكذلك نريد معرفة سبب حظر بوابة الوفد الإلكترونية داخل السعودية”، يقول فيصل الجمال، أمين الصندوق السابق بالحزب.
وتابع: “الأوضاع الإدارية داخل الجريدة أصبحت غير مستقرة، وسوء الإدارة أصبح واضحًا للجميع”.
الحوار الوطني: لماذا يُمثل الوفد بشخص واحد؟
أحد النقاط المثيرة للغضب داخل الحزب هو تمثيل الوفد بشخص واحد فقط في الحوار الوطني.
“كيف لحزب بقيمة وتاريخ الوفد أن يمثله شخص واحد فقط في الحوار الوطني؟”، يتساءل محمود طايع، عضو الهيئة العليا بالحزب. “لماذا لم يتم اختيار خبراء في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟”.
ويضغط أعضاء الحزب على القيادة لوضع معايير واضحة للمشاركة في الحوار الوطني، مثل إضافة ممثلين من النقابات المهنية والغرف التجارية، وتمثيل جيل الشباب الذي بدأ يعزف عن المشاركة الحزبية.
تنسيقية شباب الأحزاب: الشفافية المفقودة
على صعيد آخر، يشير أعضاء الحزب إلى فشل مرشحي الوفد في اختبار تنسيقية شباب الأحزاب. “لم نعلم شيئاً عن المرشحين، ولم يتم الإعلان عن أسمائهم بشكل شفاف”،
ويقول مصطفى حسن، عضو شاب بالحزب. “هذا الفشل أثر بشكل سلبي على اسم الوفد في الأوساط السياسية”.
ويطالب الأعضاء بتوضيح الآليات التي تم من خلالها اختيار المرشحين وكيفية اختيارهم لتمثيل الحزب في التنسيقية.
هل من مخرج؟
في ظل كل هذه التحديات والمشاكل، يبقى الأمل موجوداً في عودة حزب الوفد إلى مكانته الطبيعية كحزب يمثل نبض الشارع المصري.
لكن هذا لن يتحقق إلا من خلال الإصلاحات الجذرية والتخلص من القيادات التي أفسدت الحزب وجعلته فاقدًا لتأثيره.
يقول خالد علي، أحد الأعضاء المخضرمين: “الوفد يستحق أفضل من هذا، ونحن لن نتوقف عن المطالبة بالتغيير حتى نستعيد الحزب من جديد”.