1. وأنت تهم بركوب سيارتك في اتجاه قصر باردو، مقر مجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية، تذكر وردد الآية الحكيمة: “قل اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير”.
2. تتقدم السيارة خطوات في طريقك، تمر بديار وديار، والحرس على جانبي الطريق منذ ساعات الفجر الأولى… توقف كثيرًا وطويلاً عند بوابة كلية الحقوق وتذكر مهنتك وصنعتك الأولى قبل أن تصبح رئيسًا؛ أستاذ مساعد في القانون الدستوري،
الذي سيكتب على قبره بعد طول العمر: “هنا يرقد الرجل الذي انقلب على الدستور، ودمر القانون، واغتال العدالة في الجمهورية التونسية الثانية.”
3. تتقدم خطوات نحو مقر مجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية، وعندما تهم السيارة باجتياز بوابة الدخول، ارفع رأسك وانظر إلى الأعلى. ماذا كتب على جدارية غير مرئية، متدثرة في الغيب وأفق المستقبل القريب: “
هنا اغتال قيس سعيد المؤسسة التشريعية التونسية، واعتقل رئيسها الأستاذ راشد خريجي الغنوشي و21 نائبًا منتخبًا، وشرد 20 نائبًا تونسيًا قسريًا ودمر حياة 217 نائبًا آخرين،
لا جريمة لهم سوى أنهم انتخبهم الشعب التونسي في انتخابات حرة وشفافة ونزيهة. جاؤوا بالانتخاب لا بالانقلاب كما جئت أنت في أكتوبر 2019.”
4. تقدم قليلاً، وافتح نافذة السيارة، ستجد على يمينك المتحف الوطني، متحف باردو، أول متحف للفسيفساء في العالم. تذكر أنك أغلقته دون أي موجب قانوني أو رادع أخلاقي،
سوى اشتراك هذه المؤسسة في بوابتها الرئيسية مع مجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية. تسببت بخسائر غير مسبوقة لأهم وجهة سياحية في البلد على مدار أشهر طوال،
وأضرار لا تقدر بثمن لمحتوياته النادرة، وضربت في الصميم الخبرات المتراكمة المتميزة لإطاره الإداري وخبرائه الرفيعي المستوى.
5. تقدم قليلاً، وعندما تنزل من سيارتك وتستعد للوقوف أمام الفرقة الموسيقية التي ستعزف النشيد الوطني، تذكر أن هذا النشيد عزف قبلك أمام بورقيبة وبن علي والمبزع والمرزوقي والناصر والباجي… وركز طويلاً:
أين هم الآن؟ وكيف دخلوا للتاريخ بعد أن خرجوا من جغرافيا الكرسي الدوار؟
6. اصعد الدرج، وتقدم قليلاً عند ممر الرؤساء وصور رؤساء مجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية، منذ أول رئيس للمجلس التأسيسي الأول الراحل الجلولي فارس، إلى راشد الغنوشي آخر رئيس منتخب لمجلس نواب الشعب بالجمهورية
. اسأل وتساءل واستحضر: اسأل من أمر بنزع صورة الرئيس الغنوشي، ولماذا أزيلت؟ لا يهم السيد الرئيس، كما تعمل يُعاملونك.
7. دعنا من كل هذا وتقدم، اصعد درجًا وانزل درجًا، هذا هو القصر وهكذا هي الحياة. لكن أدعوك للتوقف وحدك عند اللوحة التذكارية للشهيد محمد الإبراهمي رحمه الله،
وتذكر كم دفع الشعب التونسي بكل أطيافه وطبقاته وجميع أبنائه وبناته في الداخل والخارج الغالي والنفيس من أجل أرقى ثورة سلمية مدنية عرفها التاريخ البشري. فجئت أنت لتدمرها وتحرق كل شيء بهوى نفس وجرة قلم.
8. عندما تهم بالدخول إلى القاعة الكبرى لمجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية، ستبهرك الأضواء، وشاشات التلفزيونات، وتصفيق الضيوف والحاضرين.
ستسرح وتحلم بأمجاد العلو الشاهق. لكن تذكر أن هذه لحظة زائلة في الزمن، وتيقن أن ما يخلد هو ما تفعل من خير لشعبك. لقد أضعت علينا خمس سنوات طوال، ولكن أمامك فرصة أخيرة للإصلاح. فهل تقتنصها وتكتب اسمك في التاريخ، أو تبقى خارجه إلى الأبد؟
9. اجلس، استرح قليلاً، وخذ نفسًا عميقًا. تيقن قبل خطابك الرئاسي أن الشعب قد مل من الكلمات، وينتظر حقائق في الإنجازات، التي نشك أنها ستأتي إن استمريت على نهجك الفردي والتسلطي. غير، أو ستُغير.
10. وفي اللحظة الحاسمة، وأنت تستعد لوضع يديك على القرآن العظيم، تذكر يا سيد الرئيس أنك قد خنت اليمين وقسمك العظيم يوم 23 أكتوبر 2019، ثم انقلبت على الدستور يوم 25 يوليو 2021،
وهذه جريمة كبرى لن تمحى من تاريخك. ربما أمامك فرصة أخيرة، لست متيقنًا من أنك ستلتقطها، لكن تذكر جيدًا أن الرئاسة لو دامت لغيرك ما آلت إليك.