في تطور درامي جديد يعكس حجم المعاناة التي يعيشها سكان قطاع غزة تحت وطأة العدوان الإسرائيلي، أكدت وزارة الصحة في غزة أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت مجزرتين في الساعات الـ24 الأخيرة فقط، حيث تم نقل 13 شهيدا و84 جريحا إلى المستشفيات بعد قصف جوي عشوائي استهدف مناطق مدنية وخلّف دمارا هائلًا في المنازل والمرافق.
وبذلك، يواصل العدوان الإسرائيلي مسلسل الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة ليصل العدد الإجمالي للشهداء إلى 43,985 شهيدا بينما بلغ عدد المصابين أكثر من 104,092 شخصا.
وفي حين تسعى سلطات الاحتلال إلى تقديم تبريرات واهية لاستمرار القصف، تزداد القناعة لدى أهل غزة بأن الهدف ليس فقط تدمير البنية التحتية وإنما القضاء على كل مقومات الحياة.
في اليوم الـ412 من الحرب المدمرة، يزداد الضغط على القطاع المحاصر حيث يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تعزيز سيطرته العسكرية على غزة في ظل مؤشرات واضحة تُظهر أن إسرائيل بصدد تطبيق حكم عسكري شامل في المنطقة.
لا يقتصر الأمر على القصف والتدمير، بل يسعى الاحتلال إلى توسيع سيطرته العسكرية والتأسيس لمرحلة جديدة تهدف إلى تثبيت الاستيطان في قطاع غزة وفقاً لما يتبناه عدد من القادة الإسرائيليين والمستوطنين الذين يسعون لإقامة مستوطنات جديدة على أراضٍ فلسطينية محاذية في قطاع غزة.
يتزامن هذا التصعيد مع محاولات مستمرة لإيجاد حل سياسي عبر المفاوضات التي تهدف إلى وقف إطلاق النار. ومن بين أهم محطات هذه المباحثات ما صرح به خليل الحية القائم بأعمال رئيس حركة حماس في قطاع غزة حيث أكد استعداد الحركة لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في يوليو الماضي، بالإضافة إلى الالتزام بقرار مجلس الأمن الذي يدعو إلى وقف القتال بشكل فوري.
وفي تصريحات له خلال كلمة مصورة، أكد الحية أن المباحثات كانت قد وصلت إلى شبه اتفاق في يوليو الماضي، حيث رحب الوسطاء ودول مثل الولايات المتحدة بهذا التوجه، إضافة إلى بعض قيادات الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو كان هو العقبة الرئيسية أمام إتمام الاتفاق.
وتكشف تصريحات الحية عن تعنت سياسي إسرائيلي يهدف إلى استمرار العدوان واستغلال الوضع الراهن لتعزيز الأهداف الاستيطانية. فقد أفشل نتنياهو في أكثر من مرة التوصل إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار، بينما الشعب الفلسطيني في غزة يدفع ثمنا باهظا من دمائه وأرواح أبنائه.
إن إصرار الاحتلال على استكمال عملياته العسكرية في غزة يعكس رغبة إسرائيل في تقويض أي محاولة للتهدئة أو الحل السلمي، في وقت تبدو فيه الحلول السياسية بعيدة المنال.
لكن ما لا يمكن أن يغفله أحد هو أن العدوان الإسرائيلي على غزة لم يكن مجرد رد فعل عسكري على أي تهديدات محددة، بل هو جزء من مخطط أوسع يستهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية، وفي نفس الوقت استكمال عمليات تهويد الأراضي الفلسطينية وتعزيز الاستيطان في مناطق استراتيجية من القطاع.
إسرائيل تسعى بكل قوتها لتحقيق أهداف سياسية كبيرة عبر استغلال الحرب لفرض واقع جديد في غزة يعزز من وجود المستوطنات ويجعل المنطقة تحت سيطرة كاملة من جانب الاحتلال.
وفيما يتعلق بالحصيلة البشرية، فإن الأرقام التي تسجلها المستشفيات الفلسطينية تتحدث عن حجم الكارثة التي يشهدها القطاع. لم يعد الحديث عن الأعداد مجرد أرقام على الورق، بل أصبح كل شهيد وكل جريح هو رمز معاناة مستمرة لشعب لا يزال يقاوم بقوة ضد آلة الحرب الإسرائيلية.
ولا شك أن العدوان المستمر يترك آثارًا دائمة على كافة الأصعدة، بدءًا من القتل والتشريد وصولا إلى التأثيرات النفسية التي تمس الأطفال والشباب الذين أصبحوا يواجهون مآسي يومية من جرّاء القصف العشوائي.
أمام هذا الواقع الكارثي، تسعى أطراف دولية عديدة للضغط على إسرائيل من أجل إيقاف الحرب، إلا أن سياسات الاحتلال المتمثلة في تكثيف العمليات العسكرية وفرض مزيد من القيود على السكان الفلسطينيين في غزة تجعل من كل مبادرة لوقف إطلاق النار مجرد أمل بعيد المنال.
ورغم كل الدعوات لوقف العدوان، فإن إسرائيل تواصل عملياتها العسكرية وتعد العدة لمرحلة جديدة تسعى فيها لفرض هيمنتها على الأراضي الفلسطينية بشكل دائم.
في خضم هذا التصعيد، تبقى غزة صامدة رغم كل الظروف. فالعدوان المستمر ليس فقط حربا على الأراضي وإنما حربا على الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني الذي يرفض الانكسار والتخلي عن حقوقه.
لا يمكن لأي شخص أو جهة في العالم أن يطمس الحقيقة، فغزة ستظل نبض المقاومة، وستبقى عاصفة كفاحها تُعبر عن إرادة شعب لا يرضخ للظلم مهما كانت التضحيات.
وتبقى معركة غزة على كافة الأصعدة، من مواجهة عسكرية إلى مقاومة سياسية، بحاجة إلى دعم متواصل من المجتمع الدولي لتفكيك حلقات العدوان الإسرائيلي المتسلسل.
وعلى الرغم من كل المحاولات لإخضاع الشعب الفلسطيني، فإن هذا الشعب لن يتراجع عن مطالبه العادلة، ولن يرضى بغير الحرية والاستقلال بديلاً.