تقاريرمصر

قرار السيسي بتقييد صفقات هيئات الجيش يشير إلى تقاعس الحكومة وفسادها المتفاقم

أصدرت الحكومة المصرية منذ بداية نوفمبر 2024، قرارًا صارمًا يقضي بمنع أربع هيئات عسكرية من إبرام أي صفقات تجارية دون الحصول على موافقة وتوقيع شخصي من الرئيس عبد الفتاح السيسي.

هذه الهيئات تشمل وزارة الإنتاج الحربي وجهاز المخابرات العامة وهيئة الاستخبارات العسكرية والهيئة العربية للتصنيع. جاء القرار ليضع هذه الهيئات تحت سيطرة مباشرة من قبل السيسي، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول نوايا الحكومة وأبعاد هذا القرار في ظل الأوضاع الراهنة في البلاد.

وبالرغم من ادعاء البعض أن القرار يعكس تلبية لمطالب صندوق النقد الدولي التي تركز على تقليص دور الجيش في الاقتصاد المصري، إلا أن آخرين يرون فيه خطوة تهدف إلى تعزيز سيطرة السيسي على المؤسسات الحكومية التي كانت تحت سيطرة العسكريين.

وهنالك من يعتقد أن القرار لن يغير شيئًا في الواقع، طالما أن السيسي نفسه هو الذي يسيطر على مفاصل الدولة.

الأزمة الأكبر تكمن في أن هذه الهيئات الأربع، التي تضم قوات الجيش والأجهزة الأمنية، كانت تمثل قوة اقتصادية هائلة في مصر، حيث كانت تبرم صفقات وعقودًا بملايين الدولارات دون أي رقابة حقيقية أو مساءلة.

إذا كان القرار قد تم تطبيقه وفقًا لمتطلبات صندوق النقد الدولي أو لأي سبب آخر، فإنه لن يوقف فساد النظام العسكري بل قد يزيده تعقيدًا، إذ أن السيسي هو المسؤول الأول عن جميع القرارات الكبرى التي تتعلق بالاقتصاد الوطني والأمن القومي.

تعود هيمنة الجيش على الاقتصاد المصري إلى سنوات طويلة مضت، حيث كانت هذه الهيئات تلعب دورًا رئيسيًا في إدارة مشاريع استراتيجية حيوية، سواء كانت تتعلق بالصناعات الدفاعية أو الصحية أو حتى المشاريع التجارية الكبرى.

لكن مع مرور الوقت، أصبحت هذه الهيئات تستخدم كأدوات لتحقيق مصالح خاصة، مما جعلها مركزًا للفساد والمحسوبية. من المعروف أن السيسي هو المتحكم الأول في جميع هذه المؤسسات، ورغم القرارات التي تبدو “إصلاحية” في الظاهر، فإنها لا تعدو كونها مجرد تغيير شكلي يعزز قبضته على السلطة.

وإذا نظرنا إلى ما حدث في مارس الماضي، نجد أن وزارة الصحة قد جددت التعاقد مع جهاز المخابرات العامة لمدة سبع سنوات أخرى لصيانة الأجهزة الطبية في المستشفيات، مع إضافة زيادات سنوية على التعاقد القديم، إضافة إلى تضمين أي مستشفيات جديدة ضمن نفس العقد.

هذه الصفقة هي إحدى الصفقات التي تثير الشكوك حول آلية عمل الحكومة في مواجهة الفساد، حيث تتكرر نفس الصفقات بنفس الشروط بدون أي تحسن أو تطوير حقيقي في جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين. فمن الملاحظ أن الأجهزة الطبية التي يتم صيانتها هي نفس الأجهزة التي كانت تحتاج إلى صيانة منذ سنوات، مما يبرز التقاعس الحكومي في تحقيق أي تقدم ملموس في هذا المجال.

وفي ديسمبر 2022، قامت المخابرات العامة بإهداء مستشفى المنزلة في محافظة الدقهلية أجهزة ومستلزمات طبية، في خطوة مثيرة للجدل حيث أنه بدلًا من توفير الدعم الحقيقي للقطاع الصحي، يتم تقديم الهدايا التي ليس لها أي تأثير حقيقي على تحسين خدمات الرعاية الصحية في مصر.

هذه الهدايا تقتصر على فئة محدودة من المستشفيات، بينما يعاني معظم المستشفيات الحكومية من نقص في المعدات والأدوية والعناية الطبية الأساسية.

ما يعكسه هذا القرار هو حالة من التخبط والتناقض في سياسات الحكومة، حيث لا تعكس القرارات التي يتم اتخاذها أي نوع من الإصلاحات الجادة أو الاهتمام بتحقيق مصلحة المواطن.

بدلاً من تحسين إدارة الهيئات العسكرية، يواصل السيسي استخدام هذه المؤسسات كأدوات لتعزيز سلطته الشخصية، ويمنح نفسه السيطرة الكاملة على جميع القرارات الاقتصادية والعسكرية في البلاد.

وفي الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار، يستمر الفساد في التغلغل في كافة مفاصل الدولة، وتبقى الهيئات العسكرية والاقتصادية في أيدي قلة قليلة من المسؤولين الذين يجنون المكاسب الشخصية على حساب الشعب.

إلى جانب ذلك، يمكن القول إن القرار يعكس محاولات السيسي المستمرة لتقليص تأثير المؤسسات الأخرى التي كانت تملك سلطات اقتصادية وعسكرية.

لكن في الوقت نفسه، فإن هذا القرار قد يؤدي إلى إضعاف الجهات التي كانت تعتمد على الجيش في إبرام الصفقات، مما يفتح المجال أمام مزيد من الفساد في ظل السيطرة المطلقة التي يمتلكها السيسي على جميع مفاصل الدولة.

ولن يتغير شيء طالما أن السيسي هو المتحكم في كل شيء، من الجهاز الإداري إلى الاقتصاد والجيش والأمن. وتبقى الحكومة في حالة من العجز المستمر، عاجزة عن تلبية احتياجات المواطنين أو تقديم حلول حقيقية للأزمات التي يواجهونها.

ويظهر أن القرار الذي أصدره السيسي ليس إلا خطوة في سياق تعزيز سلطته على جميع هيئات الدولة، بينما يستمر الفساد والتقاعس الحكومي في التأثير على حياة المصريين اليومية. ويظل الشعب المصري هو من يدفع ثمن هذا التسلط والتجاهل المستمر لحقوقه ومطالبه.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى