أثار حزب الوفد مؤخراً زوبعة سياسية بسبب اتهامات واضحة ومباشرة بالتلاعب في كشوف الجمعية العمومية الخاصة بالحزب، وهي اتهامات لم تمر دون إثارة غضب قيادات الحزب وشيوخه الأوفياء لمسيرته التاريخية.
يأتي في مقدمة هؤلاء القيادات فؤاد بدراوي، سكرتير عام حزب الوفد السابق وعضو الهيئة العليا للحزب، الذي يعد اليوم واحداً من أبرز الأصوات المدافعة عن نزاهة الحزب في مواجهة ما أسماه بالفساد المتفشي في جميع أنحاء الحزب، بدءاً من قيادته وصولاً إلى أعضاء الهيئة العليا.
فؤاد بدراوي هو حفيد الزعيم الوطني الراحل فؤاد باشا سراج الدين، الزعيم التاريخي لحزب الوفد وأحد أعمدته الرئيسية، ما يمنح موقفه ثقلًا سياسيًا كبيرًا داخل الحزب وخارجه.
قاد بدراوي خلال الأسابيع الماضية حملة قوية تستهدف إعادة كشف المستور داخل الحزب وكشف النقاب عن التلاعب والفساد الذي يحيط بإدارة الدكتور عبدالسند يمامة، رئيس الحزب الحالي.
كما طالب بدراوي بالإعلان الفوري عن كشوف الجمعية العمومية، مؤكدًا أن التعديلات التي تمت على هذه الكشوف دون علم أعضاء الجمعية هي بمثابة جريمة ضد الحزب وقانونه الداخلي.
في ضوء ذلك، عقد بدراوي اليوم الخميس الموافق 12 ديسمبر اجتماعاً كبيراً في مدينة طنطا بمحافظة الغربية بحضور عدد غفير من الوفديين المؤيدين له.
هذا الاجتماع يعد جزءاً من حملة “طرق الأبواب” التي أطلقها بدراوي لمواجهة فساد الإدارة الحالية للحزب. جاءت هذه الحملة كرد فعل مباشر على قرارات عبدالسند يمامة بمنع أي تجمعات للوفديين دون موافقته، وهي قرارات تعكس بحسب بدراوي رغبة الإدارة في فرض سيطرتها على جميع أنشطة الحزب.
الاجتماع الذي شهد حضورًا بارزًا لقيادات الحزب، افتتح بكلمة من الصحفي محمد المسيري، الذي رحب بالضيوف، مشيراً إلى أهمية هذا اللقاء التاريخي في مسيرة الحزب.
ألقى الدكتور أحمد عطالله، أحد الشخصيات البارزة التي حضرت الاجتماع، كلمة قوية أكد فيها أنه لم يعد ينتمي للحزب بشكل رسمي ولكنه حضر لدعم فؤاد بدراوي، مؤكداً أن الأخير يمثل القيم الوفدية الحقيقية.
شدد عطالله على أن الوفديين لم يعودوا بحاجة إلى الكارنيهات الرسمية للانتماء للحزب، فالشرف الوطني والانتماء إلى مصر هما المحرك الأساسي لأي وفدي.
كما أشار عطالله إلى أن الدولة المصرية، بقيادتها السياسية الحالية والقوات المسلحة، تستحق الشكر والتقدير على الجهود التي تبذلها لضمان الأمن والاستقرار في البلاد، داعيًا الوفد إلى العودة لدوره الوطني في مساندة الدولة المصرية.
ألقى الكاتب الصحفي جمال أبو الفتوح، مدير تحرير جريدة الوفد سابقاً، بدوره الضوء على دور جريدة الوفد التاريخي في محاربة الفساد، مشيراً إلى أن تأسيس الجريدة كان بأمر من فؤاد سراج الدين نفسه، الذي أرادها أن تكون منبرًا للنزاهة والحقيقة.
أكد أبو الفتوح بأن جريدة الوفد كانت بمثابة جرس إنذار لكل مظاهر الفساد السياسي والاجتماعي، معرباً عن أمله في أن يعود الحزب إلى مكانته الصحيحة على الساحة السياسية.
من جهته، شكر فؤاد بدراوي جميع الحضور على دعمهم المستمر له، مشدداً على أن هذه المعركة ليست فقط للحفاظ على نزاهة حزب الوفد، بل هي معركة وطنية تهدف إلى حماية الدولة المصرية من أي مخططات خارجية.
أشار بدراوي إلى أن ما يحدث في سوريا هو مثال واضح على خطورة التدخلات الخارجية في شؤون الدول، مؤكدًا أن مصر يجب أن تظل حصناً منيعاً ضد هذه المؤامرات. كما توجه بدراوي بالشكر لوزارة الخارجية المصرية على موقفها الصارم ضد الاحتلال الإسرائيلي لأراضي سوريا.
وعن أزمة الجمعية العمومية، أوضح بدراوي أن قرار الهيئة العليا للحزب بعدم انعقاد الجمعية العمومية هو محاولة لطمس الهوية الوفدية الأصلية، مؤكدًا أن الجمعية العمومية هي العمود الفقري للحزب وأن المساس بها هو جريمة لا تغتفر.
وشدد على أن اللقاءات التي يعقدها في مختلف المحافظات تهدف إلى توحيد صفوف الوفديين لمواجهة هذا العبث الممنهج في مكونات الحزب.
في بيان رسمي أصدره بدراوي، كشف عن عملية تلاعب جديدة طالت كشوف الجمعية العمومية في عشر محافظات، مؤكدًا أن هذه التعديلات تمت دون علم القيادات المحلية أو أعضاء الجمعية العمومية أنفسهم، وهو ما يهدد بإقصاء العديد من الوفديين من الحزب.
حذر بدراوي من أن هذه التعديلات تهدف إلى فرض واقع تنظيمي جديد يخدم مصالح خاصة قبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة، مشيرًا إلى أن هذا التلاعب يشكل جريمة بموجب قانون الأحزاب.
لم يتوقف بدراوي عند هذا الحد، بل طالب بالإفصاح الفوري عن كشوف الجمعية العمومية التي انتخبت الهيئة العليا في 28 أكتوبر 2022، مؤكدًا أن أي تعديل في هذه الكشوف سيعد تزويرًا يجب محاسبة المتورطين فيه قانونيًا.
وأشار إلى أن ما يجري داخل أروقة الحزب في جنح الظلام هو خرق صارخ لمبادئ الشفافية التي طالما كانت جزءًا لا يتجزأ من العمل الحزبي داخل الوفد.
لمواجهة هذا التلاعب، أعلن بدراوي عن إطلاق حملة ميدانية شاملة لزيارة الوفديين في مختلف المحافظات للتأكد من عدم التلاعب في عضويتهم داخل الجمعية العمومية. وأكد أن حملة “طرق الأبواب” ستستمر حتى يتم التصدي لأي محاولة لاستبعاد الوفديين من كشوف الجمعية.
ردًا على مطالب بدراوي، أصدر عبدالسند يمامة تعليمات بإتاحة كشوف الجمعية العمومية لرؤساء اللجان العامة بالمحافظات، وهو ما رفضه بدراوي، معتبرًا أن هذا الإجراء غير كافٍ.
أشار بدراوي إلى أن مجرد السماح بالاطلاع على الكشوف لا يضمن نزاهتها، خصوصاً مع إمكانية التلاعب بالأسماء المدرجة فيها كل بضع دقائق عبر الأجهزة الإلكترونية.
وفي تصعيد جديد للأزمة، أصدر يمامة قراراً بمنع أي فعالية لأي لجنة من لجان الحزب إلا بعد موافقته الشخصية، وهو ما اعتبره بدراوي خطوة استباقية لمنع حملة “طرق الأبواب” من الوصول إلى أوسع قاعدة ممكنة من الوفديين.
رد بدراوي على هذا القرار بإعلان بدء حملة “طرق الأبواب” فعلياً، حيث اختار محافظة الغربية كنقطة انطلاق لحملته التي ستجوب جميع المحافظات لتأكيد موقفه الثابت بنشر كشوف الجمعية العمومية وإعادة الشفافية للعمل الحزبي.
كما تعهد بدراوي بعدم التوقف عن عقد اللقاءات مع الوفديين حتى يتم الإفصاح عن الأسماء المدرجة في كشوف الجمعية العمومية بصورة رسمية على المركز الإعلامي للحزب.
بهذا الصراع المحتدم، يتضح أن حزب الوفد يعيش أسوأ أزماته التنظيمية في تاريخه الحديث، وأن معركة فؤاد بدراوي ضد القيادة الحالية للحزب تمثل فرصة أخيرة لإنقاذ الحزب من الفساد الذي أصبح يهدد وجوده