تقاريرحوارات وتحقيقات

رمضان في تركستان الشرقية: صراع الهوية الدينية في وجه القمع

يمثل شهر رمضان المبارك في تركستان الشرقية أكثر من مجرد فترة صيام وعبادة، فهو رمز للهوية الإسلامية التي تواجه قمعًا مستمرًا من السلطات الصينية.

في ظل القيود المشددة المفروضة على الصيام والشعائر الدينية، تحولت ممارسات رمضان إلى صراع يومي للحفاظ على التراث الديني والثقافي للإيغور.

أشار الناشط الحقوقي محمد تركستان إلى أن شهر رمضان في تركستان الشرقية أصبح يمثل أحد أبرز نقاط التوتر بين المسلمين الإيغور والسلطات الصينية.

“الصيام في رمضان، الذي كان جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للإيغور، أصبح الآن نشاطًا محفوفًا بالمخاطر. السلطات لا تكتفي بمنع الصيام بشكل علني، بل تفرض على المسلمين تناول الطعام والشراب في النهار، حتى في أماكن العمل والمدارس”.

تركستان يوضح أن هذه القيود جزء من حملة مستمرة لمحو الهوية الدينية والثقافية للإيغور تحت ذريعة مكافحة التطرف والإرهاب.

أكدت الناشطة عائشة خوجا، المتخصصة في شؤون الإيغور، أن القمع في رمضان لا يقتصر فقط على الصيام، بل يمتد ليشمل جميع الشعائر الدينية.

“صلاة التراويح، التي تعد جزءًا أساسيًا من ليالي رمضان، تم حظرها تمامًا. المساجد التي كانت مراكز للعبادة أصبحت الآن مراقبة، وبعضها دُمر أو حُول إلى منشآت سياحية. الأمر لم يعد مجرد قمع ديني، بل هو محاولة منهجية لإلغاء أي وجود إسلامي في تركستان الشرقية”.

خوجا أشارت إلى أن هذه السياسات بدأت بشكل واضح منذ حملة “الضربة القاسية ضد الإرهاب” التي أطلقتها الحكومة الصينية في عام 2014.

أوضح المواطن الإيغوري عبد الله إسلام، المقيم في مدينة أورومتشي، أن السلطات المحلية تفرض غرامات كبيرة على المطاعم التي تغلق أبوابها خلال النهار في رمضان.

“إذا رفضت المطاعم تقديم الطعام في النهار، فإن أصحابها يتعرضون لملاحقات قانونية. بل إن الحكومة تشجع الناس على تناول الطعام في الأماكن العامة نهارًا كنوع من التضامن مع حملتها ضد التطرف”.

وأضاف عبد الله أن الشرطة تنظم زيارات مفاجئة إلى المنازل للتأكد من عدم صيام العائلات، وهو ما يصفه بأنه “إهانة كبيرة لكرامة المسلمين في المنطقة”.

من جهته، أشار الباحث في شؤون الإيغور أحمد توكل، إلى أن ما يحدث في تركستان الشرقية هو جزء من حملة صينية أوسع تستهدف القضاء على الهوية الإسلامية في البلاد.

“الصيام والتجمعات الدينية تعتبرها السلطات ممارسات تطرفية، ويجري تنظيم برامج تثقيفية في المدارس والجامعات تروج لفكرة أن الصيام غير صحي وضار بالإنتاجية”.

توكل أكد أن هذه السياسات لها جذور في التاريخ، حيث تعاقبت الحكومات الصينية منذ الثورة الثقافية على محاولة قمع الإسلام، ولكن ما يحدث الآن هو تصعيد غير مسبوق.

لفتت الباحثة نورة حسن، المهتمة بحقوق الإنسان في الصين، إلى أن قضية الصيام في تركستان الشرقية لا تقتصر على الناحية الدينية فحسب، بل تمثل صراعًا على الهوية الثقافية.

“الإيغور لا يصومون فقط كجزء من عقيدتهم، بل لأنهم يرون في رمضان رمزًا لهويتهم وتاريخهم العريق. ما تقوم به الحكومة الصينية هو محاولات لطمس هذه الهوية وإحلال هوية جديدة تعتمد على الولاء المطلق للحزب الشيوعي الصيني”.

وأضاف الطالب الإيغوري محمد جان عبد الرحمن، الذي يدرس في إحدى جامعات الصين، أن رمضان يمثل له فترة حرجة بسبب القيود المشددة المفروضة.

“في كل عام، نتلقى تعليمات صارمة بعدم الصيام أو ممارسة أي شعائر دينية علنًا. حتى إذا أردنا الإفطار في السر، فإن الخوف من الإبلاغ يجعل الكثيرين يترددون. هناك كاميرات في كل مكان، وأي تجمعات دينية تُعتبر جريمة”.

وأكد أن العديد من زملائه الطلاب تم طردهم من الجامعات بسبب محاولاتهم الحفاظ على صيامهم في رمضان.

وأشار الناشط في المنفى حسن طاهر إلى أن الهجمات على الهوية الإسلامية في تركستان الشرقية تجاوزت الشهر الكريم. “الحكومة الصينية تنتهج سياسة ممنهجة تستهدف إزالة الطابع الإسلامي عن الحياة العامة.

لقد رأينا كيف تمت إزالة الحروف العربية من اللافتات العامة، وكيف تم حظر ارتداء الحجاب وإطلاق اللحى، حتى في الأماكن الخاصة”.

طاهر أكد أن هذه السياسات القمعية تحظى بدعم صامت من المجتمع الدولي، وهو ما يزيد من معاناة الإيغور.

وأكدت الباحثة في شؤون الأقليات فاطمة عبد الكريم أن السياسات الصينية لم تستثن الأطفال من هذه الحملة.

“تجبر المدارس الأطفال على تناول الطعام في رمضان، ويمارس عليهم ضغوط كبيرة لعدم الانخراط في أي شعائر دينية. الصيام بالنسبة للأطفال أصبح يُعتبر فعلًا مخالفًا للقوانين، مما يخلق جيلًا ينشأ بعيدًا عن دينه وتقاليده”.

فاطمة أشارت إلى أن هذا الاستهداف للأجيال الناشئة هو جزء من خطة أكبر لمحو التراث الإسلامي للإيغور.

وأشارت الناشطة في مجال حقوق الإنسان ليلى حسن، المقيمة في المهجر، إلى أن المجتمعات الإيغورية في الخارج تواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على هويتها.

“الكثير من الإيغور الذين فروا من تركستان الشرقية يحاولون إحياء تقاليد رمضان في بلاد المهجر. نرى إفطارات جماعية وصلوات تراويح، ولكنهم دائمًا يشعرون بأنهم في خطر بسبب ضغوط الحكومة الصينية على دول المهجر”. ليلى أكدت أن هذه التجمعات الرمضانية في الخارج أصبحت رموزًا للصمود في وجه القمع الصيني.

وفي حديثه عن رمضان كرمز للمقاومة، أشار الناشط الثقافي عثمان صبري إلى أن المسلمين الإيغور في الخارج يرون في إحياء شعائر رمضان نوعًا من التحدي.

“المشاركة في تقاليد رمضان، سواء في المهجر أو في تركستان الشرقية، أصبحت شكلًا من أشكال المقاومة الثقافية. الإفطار الجماعي وصلوات التراويح ليست مجرد عبادات، بل هي وسائل للتعبير عن الهوية الإسلامية في مواجهة محاولات محوها”.

وأكد الباحث في حقوق الإنسان، يوسف تركستان، أن قضية تركستان الشرقية ليست مجرد قضية دينية، بل هي جزء من معركة أكبر على حقوق الإنسان في الصين.

“ما نشهده في تركستان الشرقية هو جزء من قمع شامل يستهدف الأقليات. رمضان هو أحد الرموز، ولكنه يمثل جوهر القضية الأوسع المتعلقة بحرية الممارسة الدينية وحق الأقليات في الحفاظ على ثقافتها وهويتها”.

في الختام، شددت الناشطة الحقوقية مريم تركستان أن المجتمع الدولي يجب أن يتحمل مسؤوليته تجاه ما يحدث في تركستان الشرقية.

“الصمت الدولي أمام هذه الجرائم يزيد من تعقيد الوضع. رمضان في تركستان الشرقية أصبح رمزًا للاضطهاد، وهو ما يتطلب تدخلاً عاجلاً لإنقاذ ما تبقى من هوية هذا الشعب”.

مريم أكدت أن الضغط الدولي يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في حماية حقوق المسلمين في ممارسة شعائرهم بحرية.

رغم القمع الشديد ومحاولات طمس الهوية الدينية في تركستان الشرقية، يظل شهر رمضان رمزًا للمقاومة والصمود حيث لم يعد مجرد شهر للعبادة والتقوى، بل أصبح رمزًا لصراع الهوية الإسلامية في وجه حملة قمعية منهجية من قبل الحكومة الصينية.

الآراء المتعددة التي تناولها التحقيق تؤكد أن الصيام وشعائر رمضان باتت تُعتبر أفعالًا تطرفية، ما دفع بالإيغور إلى تحويل هذه الممارسات إلى رموز للمقاومة ضد محاولات محو الهوية الثقافية والدينية.

ومع ذلك، تبقى المجتمعات الإيغورية في المهجر مصممة على الحفاظ على تقاليدها، رغم التحديات والتهديدات المتزايدة.

سواء في الداخل أو في المهجر، يستمر الإيغور في التمسك بتقاليدهم، معبرين بذلك عن تحديهم للسياسات القمعية ومحافظين على هويتهم الإسلامية في وجه الضغوط المستمرة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى