
- نسبة مشاركة كبيرة وصلت 59% في جمعية عمومية لا تقبل الترويض
- تيار الاستقلال يرسّخ حضوره في المجلس الجديد رغم التدخلات الأمنية
- رسالة انتخابات الصحفيين: لا وصاية على النقابة ولا تطبيع مع الاستبداد
بالتزامن مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، 3 مايو 2025، شهدت نقابة الصحفيين المصريين واحدة من أشرس الجولات الانتخابية في تاريخها، حيث نجح صحفيو مصر في التصدي لمحاولة إخضاع نقابتهم من خلال الدفع بمرشحين مدعومين من الأجهزة الأمنية لمقعد النقيب ومقاعد العضوية، وفي مقدمتهم عبدالمحسن سلامة، عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ورئيس مجلس إدارة الأهرام السابق، والمرشح لمقعد النقيب، الذي أسقطته الجمعية العمومية بفارق غير مسبوق في تاريخ الانتخابات لصالح النقيب الحالي خالد البلشي.
كما تمكّن تيار الاستقلال النقابي، الذي يضم أطيافًا سياسية متعددة، من الحفاظ على مناصفة مقاعد مجلس النقابة مع التيار الحكومي المدعوم أمنيًا، بحصوله على 6 مقاعد من أصل 12؛ بينهم 4 من الدورة السابقة.
وقد نجحت الجمعية العمومية في توجيه رسالة واضحة للأجهزة السيادية التي أدارت المعركة الانتخابية بشكل خشن، مؤكدة انحيازها لحرية الصحافة وقيم العمل النقابي، ومتجاوزة كافة المغريات والرشاوى الانتخابية التي استمرت على مدار شهرين قبل انعقاد الانتخابات.
في التقرير التالي، نرصد أبرز مجريات العملية الانتخابية ومعادلاتها السياسية، ثم نقدم قراءة تحليلية موجزة للنتائج.
إدارة المعركة بأساليب أمنية سافرة
شهدت الفترة التي سبقت إجراء الانتخابات تدخّلات سافرة من الجهات الأمنية، تجلّت في حملة منظمة شنّها مرشح الحكومة عبد المحسن سلامة، استهدفت تشويه مرشحي تيار الاستقلال، وفي مقدمتهم النقيب خالد البلشي، الذي وُجّهت له ولزوجته اتهامات باطلة تتعلق بالفساد والاستيلاء على أموال المنظمات الحقوقية.
كما ظهرت صفحة على موقع “فيسبوك” باسم “ويكيليكس الصحافيين”، أدارها صحفيون محسوبون على الأمن الوطني، نشرت على مدار أسابيع مزاعم ووقائع فساد غير مثبتة بحق أعضاء حاليين وسابقين في مجلس النقابة من المحسوبين على تيار الاستقلال.
في السياق ذاته، مارست الجهات الأمنية ضغوطًا على شركات كانت قد تقدّمت لتنفيذ مشروع مدينة الصحفيين بمدينة 6 أكتوبر، وهو من المشاريع التي رفعت أسهم البلشي ومحمد خراجة، أمين صندوق النقابة.
وفوجئ البلشي خلال جلسة فضّ المظاريف بتقدم شركة وحيدة تفتقر أوراقها للمتطلبات الأساسية، ما أثار غضبًا واسعًا بين الصحفيين الحاجزين، وكاد أن يتسبب في انهيار الاجتماع، قبل أن يتدخل البلشي لتهدئة الأجواء، مقترحًا إعادة طرح المشروع بشكل قانوني وسليم.
في المقابل، لم تتورع الحكومة وأجهزتها الأمنية عن تقديم رشاوى انتخابية مباشرة عبر مرشحها عبد المحسن سلامة، الذي أعلن عن حصوله على 20 ألف فدان من الدولة بغرض توزيعها على الصحفيين بمعدل 5 إلى 10 أفدنة لكل متقدم، إضافة إلى 1500 شقة في محافظات مختلفة، وزّعت أوراق حجزها عبر مكتبه في مؤسسة “الأهرام”، لا عبر النقابة.
كما استخدم سلامة ورقة “البدل النقدي” الذي يعيش عليه نحو نصف الصحفيين، مؤكّدًا أنه حصل على وعد حكومي بزيادته بنسبة غير مسبوقة، لكنه ربط إعلان الزيادة بنتيجة الانتخابات، ما دفع حملة البلشي إلى اعتبارها رشوة انتخابية صريحة.
وقبل يومين من الانتخابات، كشف صحفيون في مؤسسة “الأهرام” الحكومية عن تلقيهم اتصالات هاتفية من ضباط في جهاز الأمن الوطني لحثهم على التصويت لصالح سلامة وقائمته بالكامل.
كما عقد رئيس تحرير “الأهرام”، ماجد منير، اجتماعين منفصلين مع رؤساء الأقسام لحثهم على الحشد، مهددًا بإجراء تغييرات واسعة حال التقاعس.
وبالتوازي، قرّر رئيس مجلس الإدارة محمد فايز فرحات صرف بدلات استثنائية للصحفيين بالمؤسسة، بما فيهم المراسلون بالمحافظات، مع توفير حافلات مكيفة لنقلهم إلى مقر النقابة، وتوزيع أكثر من ألفي وجبة ساخنة يوم الانتخابات، وهي ممارسات تكررت في مؤسسات صحفية أخرى.
وفي خضم هذا التدخل الحكومي غير المسبوق، نشر وكيل النقابة ورئيس لجنة الحريات محمود كامل بيانًا على صفحته بموقع “فيسبوك” تحت عنوان: “بلاغ لكل معني بأمر الصحافة والوطن”، أدان فيه التجاوزات والضغوط الأمنية، مؤكدًا أن العلاقة التي نجحت النقابة في بنائها مع الدولة خلال العامين الماضيين لا تُرضي أطرافًا لا تؤمن إلا بالتبعية، ولا تقبل بشراكة حقيقية.
واعتبر أن ما يجري محاولة مكشوفة لإعادة النقابة إلى مربع الضعف والخضوع، من خلال وعود زائفة وتلويح بالمكاسب، موجهًا نداءً للصحفيين وللدولة بأن نقابة الصحفيين ليست للبيع، وأن هذه الممارسات لا تصنع انتصارًا، بل تهدد مستقبل المهنة بأكمله.
قوائم أمنية وخلافات بالمؤسسات القومية
من داخل “المطبخ الانتخابي” الذي أشرفت عليه شخصية بارزة بجهاز الأمن الوطني، تم إعداد ما عُرف في المؤسسات الصحفية القومية بـ”قائمة الدولة”، والتي ضمت مرشحي الحكومة والأجهزة الأمنية لانتخابات نقابة الصحفيين.
وسعت هذه القائمة إلى إسقاط النقيب الحالي خالد البلشي وعدد من مرشحي تيار الاستقلال النقابي.
تكوّنت “قائمة الدولة” من عبد المحسن سلامة، عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والمرشح على مقعد النقيب، إلى جانب محمد شبانة، المحسوب على جهاز المخابرات العسكرية، وحسين الزناتي من مؤسسة “الأهرام”، وأيمن عبد المجيد من “روز اليوسف” المعروف بقربه من الأمن الوطني، بالإضافة إلى حماد الرمحي من “الدستور”، ومحمد السيد الشاذلي من “اليوم السابع”، الذي حظي بدعم كافة الأجهزة السيادية بسبب صلات قرابة مع إحدى الشخصيات السياسية البارزة، ومحمد سعيد من “أخبار اليوم”.
ويمثل جميعهم رؤساء تحرير أو قيادات صحفية بارزة في المؤسسات القومية أو المنصات الإعلامية التابعة لشركة “المتحدة للخدمات الإعلامية”، الذراع الإعلامي للمخابرات العامة.
داخل المؤسسات الحكومية، سادت حالة من الارتباك والصراع حول توزيع الولاءات بين المرشحين، مع بدء ظهور نفوذ المخابرات العسكرية من جهة، ومحاولات الأمن الوطني فرض رؤيته من جهة أخرى.
وتولى عبد الرؤوف خليفة، عضو مجلس النقابة، إدارة الملف الانتخابي بجوار علي حسن، رئيس مجلس إدارة وكالة أنباء الشرق الأوسط، في ما عُرف بالكواليس بـ”غرفة العمليات الأمنية”، خصوصًا مع وجود خلافات حادة بين خليفة والنقيب خالد البلشي بسبب ما يُعرف بمشروع “الجمعية الموازية” الذي طرحه خليفة، وواجه اعتراضًا من المجلس.
وكان من المنتظر أن يكون خليفة هو مرشح الأجهزة الأمنية لمنصب النقيب، إلا أنه أُقصي لصالح عبد المحسن سلامة، استجابة لتوجهات المخابرات العامة والعسكرية. وترددت أنباء داخل “الأهرام” بأن خليفة اشترط تولي رئاسة تحرير الجريدة مقابل دعمه لسلامة، وهو ما حصل على وعود به بالفعل، لكن دخول محمد شبانة، نائب رئيس مجلس إدارة “الأهرام” وعضو مجلس الشيوخ والقيادي بحزب “حماة الوطن”، على خط الترشح، نسف طموحات خليفة، الذي حاول إقناع سلامة بإثنائه عن خوض الانتخابات، إلا أن الأجهزة الأمنية أجمعت على ترشيح شبانة، ما فجّر صراعًا داخليًا بين أجنحة معسكر الحكومة استمر حتى موعد الاقتراع.
وقد اعترف عبد المحسن سلامة، في تسجيل صوتي عقب إعلان نتائج الانتخابات، بوقوع أخطاء كبيرة داخل حملته، مشيرًا إلى أنها كانت من أبرز أسباب خسارته. في المقابل، تمكّن محمد شبانة من تعزيز موقفه الانتخابي، مستفيدًا من دعم مالي حكومي قُدّر بأكثر من 50 مليون جنيه من وزارة الشباب والرياضة، استُخدمت في استكمال إنشاءات نادي الصحفيين بشارع البحر الأعظم بالجيزة، كما نُظّمت حفلات غنائية متتالية بالنادي بعد افتتاحه، في محاولة لكسب تأييد القاعدة الصحفية.
وفي ظل هذا الصراع المحموم، أعلن المرشح صالح الصالحي، وكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ومدير تحرير “أخبار اليوم”، انسحابه من السباق الانتخابي، عبر رسالة غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي، أثارت علامات استفهام حول دوافع قراره، وقد أبلغ مقرّبين منه بأن التدخلات الأمنية الخشنة بلغت حدًا لا يليق بكيان بحجم نقابة الصحفيين.
ورغم نفي الجهات الحكومية المتكرر أي تدخل في انتخابات النقابات المهنية، إلا أن مرشحي “قائمة الدولة” لم يترددوا في التأكيد العلني على أن ترشحهم جاء بدعم مباشر من الدولة، معتبرين ذلك “وسامًا” على صدورهم، لا شبهة تستدعي الإنكار.
قرارات جريئة للجمعية العمومية
في صباح يوم الانتخابات، وبعد اكتمال النصاب القانوني للجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، صدرت عن الجمعية قرارات نوعية اتسمت بالجرأة، عكست انحيازًا واضحًا لقضايا الحريات الصحفية، والمهنة، وموقفًا مبدئيًا من القضية الفلسطينية، حيث جددت الجمعية رفضها القاطع لكل أشكال التطبيع، وطالبت بالإفراج الفوري عن الصحفيين المحبوسين.
وقد أعلن جمال عبد الرحيم، سكرتير عام النقابة ورئيس اللجنة المشرفة على انتخابات التجديد النصفي، التوصيات الصادرة عن الجمعية العمومية، والتي تمثلت في:
– تعديل لائحة القيد بما يضمن إغلاق الأبواب الخلفية أمام غير الممارسين للمهنة، مع إلزام مجلس النقابة بمراجعة أوضاع الصحف دوريًا، ومنع القيد من الصحف المتوقفة أو غير الواضحة إداريًا.
– تنفيذ قرارات وتوصيات المؤتمر العام السادس للصحفيين (ديسمبر 2024) كخطة إصلاح شاملة للمهنة.
– مطالبة الهيئة الوطنية للصحافة بتحويل صرف بدل التدريب والتكنولوجيا للمؤسسات القومية إلى النقابة مباشرة.
– إعداد لائحة مالية موحدة تضمن المساواة في أجور الصحفيين بالمؤسسات الصحفية القومية.
– عدم قبول خريجي التعليم المفتوح للقيد بالنقابة، باستثناء من حصلوا على الثانوية العامة أو الأزهرية قبل الالتحاق به.
– تنظيم ملتقى توظيف سنوي يربط الصحفيين وأسرهم بفرص العمل الملائمة، ويعزز من دور النقابة كمحور للتواصل مع سوق العمل.
– التصدي للكيانات النقابية الموازية، التي تقتحم اختصاصات النقابة، وتفتح الباب لانتحال صفة صحفي من غير ذي صفة قانونية.
– إلزام مجلس النقابة بإحالة رؤساء التحرير ومجالس الإدارات للنقابة التأديبية حال فصلهم الصحفيين تعسفيًا، والتأكيد على اعتبار الفصل التعسفي “خطًا أحمر”.
– إقرار لائحة موحدة لأجور الصحفيين بالمؤسسات التي تعترف بها النقابة، تضمن حياة كريمة، وألا يقل الحد الأدنى بها عن ما أقرته الدولة.
– العمل العاجل على إيجاد حلول لأزمة الصحف الحزبية والمستقلة المتوقفة عن الصدور.
– حظر الجمع بين مناصب النقيب وأعضاء المجلس، وبين أي منصب حكومي بالتعيين أو الانتداب أو الإعارة، حماية لاستقلال النقابة ومنعًا لتضارب المصالح، تنفيذًا لنص المادة (7) من قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018.
– رفض تعديل قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970 إلا بعد عرضه على جمعية عمومية مكتملة النصاب.
– التوصية بإنشاء دار مسنين لشيوخ المهنة.
– إعلان التضامن الكامل مع الصحفيين المحبوسين، والمطالبة بالإفراج عنهم بضمان النقابة، وتحسين أوضاعهم الصحية والمعيشية، وتسهيل زيارات أسرهم، وتمكين محامي النقابة من التواصل معهم.
الجمعية العمومية تسقط “النقيب الامني”
في مشهد وصفه كثيرون بالتاريخي، شهدت نقابة الصحفيين المصريين واحدًا من أكبر أيامها الانتخابية، حيث احتشد أعضاء الجمعية العمومية بأعداد غير مسبوقة، تعبيرًا عن رغبتهم الواضحة في انتزاع قرارهم النقابي بأنفسهم، وتجديد الثقة في ممثليهم بعيدًا عن تدخل الأجهزة السيادية.
فقد بلغ عدد الحضور 6051 صحفيًا من أصل 10,250 لهم حق التصويت، بنسبة مشاركة تجاوزت 59%، وهي من أعلى نسب المشاركة في تاريخ الانتخابات النقابية.
وعبرت الجمعية العمومية عن انحيازها الصريح لمرشح تيار الاستقلال، مجددة تمسكها بالحريات الصحفية، واستقلال النقابة، ورفضها لأي محاولات للوصاية عليها.
تنافس في الانتخابات 53 مرشحًا، من بينهم 10 مرشحين على مقعد النقيب، و43 على مقاعد العضوية. وكان من بين أبرز المتنافسين على منصب النقيب: النقيب الحالي خالد البلشي، والنقيب الأسبق عبد المحسن سلامة، إلى جانب أسماء أخرى منها: محسن هاشم، سيد الإسكندراني، أحمد فتحي أحمد، محمد المغربي، نورا راشد، محمد بدوي، وطلعت هاشم.
أما المقاعد الستة التي جرى التنافس عليها فهي تلك التي شغلت لمدة أربع سنوات من قبل: أيمن عبد المجيد، حسين الزناتي، إبراهيم أبو كيلة، دعاء النجار، محمد سعد عبد الحفيظ، ومحمد خراجة.
وأسفرت النتائج عن فوز الصحفي خالد البلشي بمنصب نقيب الصحفيين للمرة الثانية على التوالي، بعد حصوله على 3346 صوتًا من أصل 5748 صوتًا صحيحًا، متفوقًا على منافسه الأبرز عبد المحسن سلامة الذي حصل على 2562 صوتًا، بفارق 784 صوتًا، وهو فارق كبير يعكس ثقة الجمعية العمومية في قيادة البلشي، فيما توزعت باقي الأصوات على المرشحين الآخرين، حيث حصل السيد الإسكندراني على 44 صوتًا، ومحسن هاشم على 6 أصوات، ونورا راشد على 5 أصوات فقط.
وفور إعلان النتيجة، عمت الاحتفالات أروقة النقابة ومحيطها، ورفع الصحفيون نقيبهم على الأكتاف، مرددين هتافات: “قول متخافش… نقيبنا هو البلشي”، و”عاشت حرية الصحافة”، في مشهد عكس الأمل بتجديد عهد الاستقلال النقابي.
أما على مستوى العضوية، فقد جاءت النتائج متوازنة بين تيار الاستقلال وتيار الدولة، ففي مقاعد “فوق السن”، فاز كل من محمد شبانة (2534 صوتًا)، حسين الزناتي (2367 صوتًا)، ومحمد سعد عبد الحفيظ (2267 صوتًا). ويُعد عبد الحفيظ الوحيد من بين الفائزين في هذه الفئة المنتمي لتيار الاستقلال، بينما يُصنف شبانة والزناتي ضمن مرشحي الحكومة أو ما يُعرف بـ”قائمة الدولة”.
وفي مقاعد “تحت السن”، فاز كل من: أيمن عبد المجيد (2473 صوتًا)، محمد السيد الشاذلي (2348 صوتًا) – وهما من المدعومين من الدولة – إلى جانب إيمان عوف (1764 صوتًا)، وهي من أبرز وجوه تيار الاستقلال.
وبذلك، نجح تيار الاستقلال في إحكام قبضته على نصف مقاعد المجلس الجديد، بعد أن أضاف عضوين (عبد الحفيظ وعوف) إلى أربعة أعضاء حاليين محسوبين عليه هم: جمال عبد الرحيم، هشام يونس، محمود كامل، ومحمد الجارحي. فيما توزعت المقاعد الأخرى على مرشحي الحكومة: شبانة، الزناتي، عبد المجيد، والشاذلي، والذين ينضمون إلى عضوين حاليين في المجلس هما محمد يحيى يوسف، وعبد الرؤوف خليفة.
أما أبرز الخاسرين من فئة “فوق السن”، فجاء في مقدمتهم محمد خراجة (2116 صوتًا)، عمرو بدر (1928 صوتًا)، خير راغب (1300 صوت)، وإسماعيل العوامي (763 صوتًا). وفي فئة “تحت السن”، خسر حماد الرمحي (1733 صوتًا)، فيولا فهمي (1378 صوتًا)، دعاء النجار (1113 صوتًا)، علاء عمران (1160 صوتًا)، وأحمد عاطف (907 أصوات).
وفي أول تصريح له عقب إعلان فوزه، تعهّد النقيب خالد البلشي بالعمل الجاد على تحسين الأوضاع الاقتصادية للصحفيين، وتفعيل دور النقابة كدرع يحمي حقوقهم، ويعزز مكانتها بوصفها مظلة للصحافة الحرة والمستقلة.
وأكد البلشي أنه سيعلن قريباً عن زيادة في قيمة بدل التدريب والتكنولوجيا، الذي يتقاضاه الصحفيون شهريًا من وزارة المالية، والمحدد حاليًا بـ3900 جنيه (نحو 77 دولارًا)، ليصل إلى نحو 5000 جنيه، في ظل ما تعانيه الجماعة الصحفية من تدهور في منظومة الأجور، وتراجع في مستوى المعيشة نتيجة ارتفاع معدلات التضخم وغلاء الأسعار.
كما شدد البلشي على التزامه ببذل أقصى جهد ممكن للتفاوض مع الجهات المعنية من أجل إطلاق سراح الصحفيين المحبوسين، باعتبار ذلك أولوية نقابية وحقوقية لا تقبل التأجيل.
قراءة تحليلية في مسار ونتائج انتخابات
تكشف نتائج الانتخابات عن حالة من الغضب والسخط المتزايد داخل الجماعة الصحفية تجاه التدخلات الأمنية السافرة في الشأن النقابي والمهني.
ومن خلال تحليل دلالات التصويت وتوجهات الجمعية العمومية، يمكن استخلاص عدد من الحقائق الجوهرية:
تعكس النتائج رفضاً واضحاً ومتنامياً من جانب الصحفيين للتدخلات الأمنية في العمل الصحفي، وتؤكد أن فرض الرقابة والوصاية على المؤسسات الصحفية بات بمثابة “ورم خبيث” يهدد استقلال المهنة، ويجب استئصاله بالكامل من الجسد الصحفي.
جاء فوز خالد البلشي بمنصب النقيب بمثابة صفعة قوية لأساليب الأجهزة الأمنية، وفي مقدمتها “الأمن الوطني”، في إدارة المعارك النقابية. وقد أثبتت النتائج فشل النهج القائم على التوجيه والتحكم، وكشفت تآكل قدرة هذه الأجهزة على فرض مرشحيها حتى في أوساط تم استهدافها بحملات ضغط وترويج غير مسبوقة.
رفضت الجمعية العمومية محاولات شراء الأصوات أو تمرير “الرشاوى الانتخابية”، رغم حجم الإنفاق الكبير، ما يعكس وعياً نقابياً متقدماً، وحرصاً من الصحفيين على الحفاظ على كرامة مهنتهم ونقابتهم.
أظهرت الانتخابات انحيازاً قوياً لصالح تيار الاستقلال النقابي، الذي يخوض معركة مفتوحة لتحرير الصحافة من القيود المفروضة عليها، والالتزام بثوابت الحريات الصحفية وحقوق العاملين بالمهنة.
عبّر الصحفيون من خلال صناديق الاقتراع عن تطلعهم إلى مجلس قوي، قادر على انتزاع الحقوق الاقتصادية والمهنية، وتحقيق حياة كريمة لأرباب القلم، دون التفريط في القيم النقابية.
سياسة الحشد القسري التي مارستها بعض الجهات لدفع الناخبين للمشاركة لم تأتِ بالنتائج المرجوة، بل أتت بنتيجة عكسية تمثلت في تصويت عقابي ضد مرشح الدولة على منصب النقيب، ما يعكس تحوّلاً في وعي الجمعية العمومية.
معظم الفائزين المحسوبين على “قائمة الدولة” خاضوا الانتخابات من قبل، وكانوا على تواصل دائم مع الصحفيين، ما يوضح أن الحضور الشخصي والميداني له أثر حاسم، حتى داخل القوائم المدعومة أمنياً.
برزت في هذه الانتخابات كوادر نقابية شابة ومستقلة، تشكل نواة لقيادات مستقبلية واعدة، قادرة على تجديد الدماء في العمل النقابي، واستعادة نقابة الصحفيين لدورها التاريخي.
عاقبت الجمعية العمومية أي مرشح له سوابق في التطبيع أو مواقف ملتبسة تجاه الكيان الصهيوني، وكان موقف عبد المحسن سلامة من صفقة بيع أرشيف “الأهرام” – حين كان رئيساً لمجلس إدارتها – عاملاً حاسماً في خسارته.
حضرت القضية الفلسطينية بقوة، ليس فقط كشعار، بل كجزء من الضمير النقابي العام؛ فقد ردد العديد من المرشحين الفائزين هتافات داعمة للمقاومة الفلسطينية، في تعبير عن ارتباط عضوي بين حرية الصحافة ونضال الشعوب ضد الاحتلال.
لقد أرسل الصحفيون المصريون رسالة قاطعة إلى النظام السياسي مفادها أن نقابتهم ما تزال قلعة وطنية منيعة، عصية على الترويض، ومحصنة ضد الابتذال، والاختراق الأمني أو التطبيع مع الاستبداد أو الصهيونية.
إن ما جرى لم يكن مجرد انتخابات، بل كان استفتاءً على هوية المهنة، ورفضاً علنياً للهيمنة والوصاية، وتأكيداً على أن الكلمة ما زالت سلاح الصحفي الحر في معركة الكرامة والحرية.