قرار أمريكي مفاجئ يلغي تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية

أعلنت الولايات المتحدة دون سابق إنذار إلغاء تصنيف هيئة تحرير الشام، المعروفة سابقاً بجبهة النصرة، من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، في خطوة اعتُبرت صادمة ومثيرة للتساؤلات حول الدوافع والخلفيات الحقيقية لهذا التحول الجذري في الموقف الأميركي.
وجاء القرار وسط صمت دولي مريب، متجاهلاً عشرات السنوات من السرديات الأمنية والاستخباراتية التي ربطت التنظيم بتنظيم القاعدة، بل وبقوائم الإرهاب الأشد تطرفًا عالميًا.
أوضحت وزارة الخارجية الأميركية أن الإلغاء جرى بعد “تشاور” مع المدعي العام ووزير الخزانة، وكأن الأمر لا يتعدى مناقشة روتينية لملف إداري، وليس إزاحة تنظيم لطالما استخدم كأداة ضغط سياسي وعسكري في أكثر من منطقة ملتهبة.
القرار الصادر سيتم نشره رسميًا في السجل الفيدرالي يوم الثامن من يوليو، دون تقديم أي مبررات قانونية أو سياسية للرأي العام، ما يفتح الباب أمام تأويلات أكثر مما يقدّم إجابات.
أكد متابعون أن هذا الإجراء يعني عمليًا رفع القيود الاقتصادية المفروضة على الهيئة، بما في ذلك إلغاء تجميد الأصول والسماح بفتح قنوات التعامل المالي، وكأن التنظيم لم يكن على مدى سنوات طويلة أحد أذرع العنف المسلح في سوريا.
القرار ذاته لا ينفي إمكانية إعادة التصنيف مستقبلًا، لكنه يشترط أن يصدر موقف أميركي رسمي بذلك، أو انتهاء فترة سريان القرار أو إبطاله بالقانون، ما يمنح الإدارة الأميركية هامشًا واسعًا للتلاعب في الملف دون مساءلة واضحة.
أشار نص القرار على موقع وزارة الخارجية الأميركية إلى أن وزير الخارجية يمكنه إلغاء أي تصنيف إذا تبين أن الظروف قد تغيرت أو وفق ما يراه مناسبًا للأمن القومي الأميركي.
هذا التبرير الفضفاض يثير شكوكًا كبيرة حول وجود اعتبارات غير معلنة تتعلق بالمصالح الإقليمية، وربما الصفقات السياسية التي تتم خلف الأبواب المغلقة.
فكيف تغيّرت الظروف فجأة؟ وأي مصلحة قومية تستدعي تبرئة جماعة ارتبطت علنًا بتنظيم القاعدة؟ هذه الأسئلة لم تجد إجابة حتى الآن، ولا يبدو أن أحدًا يريد الإجابة عليها.
استرجع مراقبون حقيقة أن الولايات المتحدة كانت قد صنّفت جبهة النصرة كمنظمة إرهابية أجنبية يوم 11 ديسمبر 2012، بموجب قانون الهجرة والجنسية، وأدرجتها على لائحة العقوبات الخاصة بالأشخاص المصنفين ضمن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، ثم ربطتها لاحقًا رسميًا بتنظيم القاعدة.
ومع ذلك، يأتي القرار الجديد ليمحو كل ما سبق بجرة قلم، دون اعتراف بأي تحول فكري أو انفصال تنظيمي يبرر هذه الخطوة الخطيرة.
استدرك محللون أن هذا القرار لا يمكن قراءته خارج سياقه الجيوسياسي المتقلب، خاصة مع تغير الأولويات الأميركية في الشرق الأوسط، والرهانات الجديدة على قوى محلية يمكن تسويقها مستقبلًا كـ”معارضة معتدلة”، حتى وإن حملت في سجلها ماضٍ دموي.
رفع التصنيف لا يعني فقط تبييض صفحة الجماعة، بل يعني عمليًا إعادة تأهيلها للعب دور جديد في ملفات لا تزال تحت الطاولة، سواء في شمال سوريا أو غيرها من المناطق التي تُدار فيها الحرب بالوكالة.
زعم مراقبون أن واشنطن باتت تتبع سياسة انتقائية في تصنيف الإرهاب، فتُدين من تشاء وتُعفي من تشاء بحسب المصلحة السياسية، وهو ما يضع مصداقية مثل هذه التصنيفات على المحك، ويطرح تساؤلات أخلاقية حول استخدام لوائح الإرهاب كأدوات ضغط وليس كمعايير قانونية ثابتة.
بهذا القرار، فتحت الإدارة الأميركية الباب أمام سابقة خطيرة تعيد صياغة مفهوم “المنظمة الإرهابية” بحسب الظروف والمصالح، لا بناءً على الحقائق والملفات والجرائم، ليبقى السؤال الأهم: من التالي في لائحة التبرئة القادمة؟