اقتصاد

جهود أفريقية متسارعة لتعزيز التجارة البينية رغم التحديات الدولية

تسعى الدول الأفريقية في الفترة الأخيرة إلى الدفع قدما بتنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية كخطوة استراتيجية لمواجهة التحديات الاقتصادية المتزايدة وتوسيع دائرة التعاون بين أعضاء الاتحاد الأفريقي ويأتي هذا التوجه في سياق دولي مضطرب تزداد فيه الضغوط الخارجية خاصة تلك الناتجة عن السياسات الحمائية التي تبنتها الولايات المتحدة مؤخرا والتي تمثلت في فرض رسوم جمركية مرتفعة على عدد من صادرات الدول الأفريقية ما يشكل تهديدا مباشرا لنمو العديد من القطاعات الصناعية داخل القارة

هذه التوجهات الحمائية التي فرضت رسوما تصل إلى 50 في المئة على بعض المنتجات الأفريقية تهدد فعليا مكتسبات اقتصادية تحققت بشق الأنفس وتضعف من قدرة الاقتصادات الناشئة على الاستمرار في سلاسل التوريد العالمية وتزيد من اعتماد القارة على الأسواق الخارجية في وقت تسعى فيه إلى تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي وتقوية التجارة البينية كركيزة للاستقلال الاقتصادي

ومنذ دخول اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية حيز التنفيذ في عام 2021 والتي صادقت عليها 49 دولة من أصل 50 لا تزال وتيرة التنفيذ العملي بطيئة على الرغم من التأييد السياسي الواسع حيث أن نصف الدول تقريبا لا تزال خارج منظومة التبادل التجاري الفعلي رغم انخراطها الرسمي في الاتفاق

تشير بيانات صادرة عن البنك الدولي إلى أن تنفيذ أجندات منطقة التجارة الحرة القارية بشكل فعّال من شأنه أن يعزز الصادرات داخل أفريقيا بنسبة تصل إلى 81 في المئة وهو ما يمثل فرصة حقيقية لإعادة هيكلة الاقتصادات المحلية عبر تحفيز الإنتاج وتوسيع الأسواق الداخلية وتوفير الوظائف وتحقيق التنمية المستدامة

كما كشف تقرير صادر عن بنك التصدير والاستيراد الأفريقي أن التجارة البينية داخل القارة ارتفعت العام الماضي بنسبة 12.4 في المئة لتصل إلى نحو 208 مليارات دولار وهو مؤشر إيجابي يعكس بوادر نجاح التوجه القاري نحو التكامل الاقتصادي لكن هذه المؤشرات لا تزال دون المستوى المأمول في ظل التحديات الهيكلية الكبرى

في هذا السياق دعا الأمين العام لمنظمة التجارة الحرة القارية وامكيلي ميني إلى الإسراع في بناء سلاسل قيمة إقليمية قادرة على دعم التبادل التجاري وتحقيق التكامل مشددا على أن تسييس السياسات التجارية وتصاعد النزاعات الجيوسياسية يعوقان بشكل كبير تطور النظام التجاري المتعدد الأطراف

وفي الوقت ذاته تبرز إشكالية البنية التحتية كعقبة محورية أمام تسريع التجارة داخل أفريقيا حيث تعاني كثير من الدول من نقص حاد في شبكات النقل واللوجستيات والكهرباء وهو ما يؤثر سلبا على كفاءة سلاسل الإمداد وقدرتها على الاستجابة لمتطلبات السوق

ورغم استثمار البنك الأفريقي للتنمية وبنك التصدير والاستيراد الأفريقي لأكثر من 65 مليار دولار في مشروعات البنية التحتية منذ عام 2020 فإن الفجوة التمويلية لا تزال واسعة إذ تشير التقديرات إلى أن القارة بحاجة إلى ما يزيد على 100 مليار دولار سنويا لسد العجز في هذا المجال

وفي إطار الجهود المتواصلة نحو تعميق التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء تتجه بعض الدول إلى تقليل الاعتماد على الدولار في التسويات التجارية لما يشهده من تقلبات حادة واللجوء بدلا من ذلك إلى استخدام العملات المحلية في المعاملات وهي خطوة من شأنها تقوية الأنظمة المالية الإقليمية وتعزيز الاستقرار النقدي

من جهة أخرى تتابع الأوساط الاقتصادية باهتمام الاجتماع المقبل لوزراء مالية مجموعة العشرين الذي سيعقد هذا الأسبوع في مدينة دربان بجنوب أفريقيا حيث من المتوقع أن تحظى ملفات التجارة البينية والتكامل الاقتصادي الأفريقي بأولوية في جدول الأعمال

وفي ظل هذه الديناميات يرى خبراء من مؤسسات اقتصادية أن ضعف الحوكمة وعدم الاستقرار المؤسسي في بعض الدول لا يزال يمثل تحديا رئيسيا أمام تنفيذ الاتفاقية بشكل فعلي خصوصا في الاقتصادات الصغيرة الواقعة جنوب الصحراء الكبرى والتي تواجه تحديات مضاعفة في سبيل الاندماج الكامل داخل المنظومة القارية

وبرغم العقبات لا يزال الأمل قائما في أن تنجح أفريقيا في تحقيق قفزة نوعية في مجال التجارة البينية خاصة إذا ما تم تعزيز الإرادة السياسية وتوفير التمويل الكافي وتحقيق الانسجام التشريعي واللوجستي المطلوب بين دول القارة

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى