شباك نورمقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب : من النيل إلى البسفور… دراما “توت” على مسرح الشرق

منتصف نوفمبر القادم، إن شاء الله، يفتح المركز الثقافي المصري في إسطنبول صفحة جديدة من الضوء، ومرحلة جديدة من الحلم المصري الذي يعبر القارات ولا تحدّه الجغرافيا.
فهناك، حيث يلتقي النيل بالبسفور، ستُضاء المتاحف، لتشهد ميلاد فصل جديد من الحكاية التي لا تنتهي: حكاية مصر وهي تروي نفسها على أرض الشرق.

في هذا الافتتاح المنتظر، وبحضور رموز عربية وتركية، تتجسد ثلاثة معارض كأنها ثلاث مرايا تعكس وجوهنا الثقافية والحضارية والإنسانية.
المعرض الأول يحمل ملامح ومجسّمات لمئة شخصية مصرية وعربية صنعت بصماتها في القرن التاسع عشر والعشرين؛ من المبدعين والمفكرين والسياسيين الذين أضاءوا الضمير العربي وأثروا العقل والوجدان. وجوهٌ صُنعت من الطين والبرونز، لكنها صنعت لنا معنى الإنسان.

المعرض الثاني يحكي قصة الصورة… تلك التي لم تكن يومًا مجرد ضوءٍ يُلتقط، بل ذاكرةٌ تُصاغ.
يضم هذا المعرض مئة أداة تصوير أصلية، من كاميراتٍ نادرة وعيونٍ معدنية رأت التاريخ بعينه؛ بعضها وُلد عام 1890، وبعضها سبح في أعماق البحار، أو حلق فوق السحاب، أو التقط للحقيقة وجهها العاري قبل أن تلبس أقنعة السياسة والإعلام.

أمّا المعرض الثالث، فهو مسرح الأسطورة ذاتها… دراما الملك توت عنخ آمون.
مرحلة جديدة من معرض الحضارة المصرية، أكثر تميزًا وإبهارًا، إذ يُعيد تجسيد دراما الملك توت عنخ آمون في مشهدٍ كاملٍ من مقبرته إلى مجده، من الغموض إلى الخلود.
فـ”توت” ليس مجرد فرعونٍ صغيرٍ غاب في ريعان عمره، بل هو لغز الإنسانية الذي لم يُفكّ بعد، وقصة الفن والذهب واللعنة والدهشة التي جمعت بين الجمال والموت في آنٍ واحد.

هذا المعرض يُعيد إلى الشرق مشهدًا من أبهى عصور الدولة الحديثة، حين كانت مصر منفتحة على العالم.
تمزج بين السيف والريشة، بين التجارة والحضارة، بين الروح والفن. من القناع الذهبي إلى البوق الفضي، من الأثاث الملكي إلى ألعاب الطفولة، من عرشٍ يليق بالأبدية إلى أسرارٍ دفنتها الرمال؛ كل تفصيلةٍ في عالم “توت” تبوح بسرٍّ من أسرار الإنسان، وكأنها تقول: إن الفن أطول عمرًا من السلطة.

ولم ينسَ المركز أن يُكمل الحكاية بحلقةٍ من حلقات الجمال الإسلامي.
فسيُعرض نموذجٌ معماري متكامل لأحد أهم المساجد المصرية التي شكّلت الوجه المشرق لتاريخ العمارة والروح الإسلامية، في امتدادٍ طبيعيٍّ بين الفراعنة والمآذن، بين البردي والفسيفساء، بين الحضارة المصرية القديمة والعمارة الإسلامية الزاهرة.

سيشهد هذا الافتتاح الكبير حضورًا مهيبًا من رموز السياسة والفكر والثقافة والفن من مصر والعالم العربي وتركيا.
ليكون بحقٍّ لقاءً حضاريًّا من النيل إلى البسفور، ومن القلب إلى القلب، ومن التاريخ إلى المستقبل.

هكذا تتحول إسطنبول — في منتصف نوفمبر — إلى خشبة مسرحٍ للروح المصرية.
حيث يُرفع الستار عن دراما “توت عنخ آمون” لتُذكّرنا بأن الحضارة لا تُورّث بالدم، بل تُورّث بالوعي، وبأن الفن هو الذاكرة التي لا تموت، مهما غاب الملوك وتغيّرت العروش.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى