مقالات وآراء

د.تامر المغازي يكتب: الطاووس وحيداً في القفص.. فيلدرز يخسر الانتخابات ويخسر رهان الكراهية

أمس، في أرض الطواحين والجبن، شهدنا مشهداً درامياً يستحق التأمل، المشهد الذي طالما راهن عليه الكثيرون، سقوط نجم صاروخي إلى الأرض بكل هدوء. إنه مشهد خسارة خيرت فيلدرز، زعيم حزب “الحرية”، الذي كان يعد الناخبين بـ “عاصفة” ستغير هولندا، ليكتشف أن ما جلبه كان مجرد “نسيمة” بالكاد حركت أوراق الأشجار.

لقد خرج الطاووس المتباهي بريشه الذهبي الصارخ من معركة الانتخابات وقد نتف ريشه الجميع، لنكن صرحاء، كانت الانتخابات بمثابة حمام ماء بارد لسياسي اعتقد أن صيحات الكراهية والخطاب الناري كافية لقيادة إحدى أكثر دول العالم استقراراً وعراقة.

لقد بنى فيلدرز استراتيجيته على خطاب عنصري مريب، ووعود بتصفية الإسلام من الحياة العامة، وإغلاق المساجد، وحتى الخروج من الاتحاد الأوروبي.كان يلعب بورقة الخوف، لكن يبدو أن الناخب الهولندي، في لحظة صحو، أدرك أن الخوف الأكبر ليس على هويته، بل على اقتصاده واستقراره الاجتماعي وسمعته الدولية.

لقد قدم فيلدرز نفسه كـ “منقذ” لهولندا، لكن النتائج قالت له “شكراً، نحن لسنا بحاجة لمنقذ يغرق السفينة لينقذها من المطر”. الناخبون فضلوا الأحزاب التي تتحدث عن الرعاية الصحية والأجور والمناخ، على من يخوفهم بشبح “التطرف الإسلامي” الوهمي.

السخرية من فكرة الاستقالة “لو عنده دم”!

هنا يأتي السؤال المُلِحّ، الذي يتردد في المقاهي ووسائل التواصل هل سيقدم هذا الزعيم المقدام على استقالته “لو عنده دم” بعد هذا الفشل الذريع؟

للإجابة على هذا، يجب أن نفهم طبيعة شخصية فيلدرز. الرجل الذي قضى عقوداً في صناعة عدوه المفضل (الإسلام والمسلمين والمهاجرين) لن يتخلى عن مسرحه بسهولة.

السياسي الشعبوي لا يعترف بالفشل، بل يبرره.

ستسمع قريباً عبارات مثل
“النظام عمّده الفساد”،

“الإعلام خدع الناس”،

“النخبة تعمل ضد مصلحة الشعب” .

الاعتذار أو الاستقالة؟

هذه كلمات ليست في قاموس من يعتقد أنه يحمل “الحقيقة المطلقة”.

الدم الذي نتحدث عنه في السياسة ليس دم الكبرياء، بل دم المسؤولية.

وفيلدرز، للأسف، يبدو أنه يملك من الأول الكثير، ومن الثانية القليل.

الاستقالة تتطلب شجاعة الاعتراف بالخطأ، وهو أمر يعتبره في معادله السياسي انتحاراً. الأرجح أنه سيبقى، ليحول هزيمته الانتخابية إلى وقود لخطابه الاضطهادي، متهماً الخصوم بأنهم سرقوا النصر منه.

في النهاية، كانت هزيمة فيلدرز درساً مهماً للشعبويين في كل مكان أن الناخب ليس أداة بيدك، وعندما تستهين بعقله، فإن الصندوق الانتخابي يكون قاضياً عادلاً.

لقد رفضت هولندا أن تتحول إلى مسرح دائم للكراهية. أما فيلدرز، فسيبقى في البرلمان، لكن بصوت أخفض ووجود أقل تأثيراً، مثل طاووس في قفص، يصرخ بمفرده بينما العالم من حوله يتحرك قدماً.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى