مقالات وآراء

د. أيمن الورداني : المركب لازم تمشي

أثناء عملي بمحكمة السويس الابتدائية كرئيس لإحدى دوائرها أسند إليّ العمل كقاضٍ للأمور الوقتية المتعلقة بالحجز على السفن والإذن بتسييرها، وكان رئيس المحكمة في ذلك الوقت المستشار نبيل ….. نصرانيًّا، وكنت أتولى بالإضافة إلى عملي السابق رئاسة المتابعة بالمحكمة.

في المساء فوجئت باتصال عاجل يطلب مني التوجه فورًا إلى مقر المحكمة للنظر في إصدار أمر بتسيير السفينة وادي النيل، وأن المحامي الخاص بالشركة متواجد بالمحكمة لإنهاء الإجراءات، وهو أمر طبيعي، فعمل قاضي الأمور الوقتية لا يرتبط بوقت معين.

توجهت إلى المحكمة ودلفت إلى مكتبي ثم طلبت محامي الشركة، ففوجئت أنه أحد أساتذة القانون وأعرفه جيدًا، رحبت به، فأخبرني أنه يعمل الآن أستاذًا بكلية الشرطة، وأنه يمارس عمله كمحامٍ لشركة وادي النيل التي تملك السفينة.

استطرد قائلاً إن هذه السفينة تخص جهة سيادية، وأنه يجب أن أصدر الأمر برفع الحجز التحفظي وإلغاء الأمر الصادر مني بتوقيفها. أجبته: لا بأس، حالًا أفعل ذلك، أعطني شيكًا بالمستحقات والديون التي تم توقيع الحجز من أجلها، والتي تتعلق بديون للبحّارة والقبطان.

امتعض الرجل وقال: حضرتك عارف مين بيدير الشركة؟
أجبته بالنفي.
أخبرني أنه ابن الرئيس مبارك.

سألته: ما معنى ذلك؟
أجاب: المركب لازم تمشي.

سألته متعجبًا: على أي أساس؟
أخبرني أن عمرو موسى، رئيس جامعة الدول العربية في ذلك الوقت، يتواصل ليتأكد بنفسه أن السفينة تحركت.

لم أرد وسألته عن الشيك المتعلق بحقوق الدائنين، فأخبرني أنه لا شيكات، وكرر قوله: المركب لازم تمشي.
ثم انتحى جانبًا وتواصل مع رئيس المحكمة الابتدائية على هاتفه المحمول، ومدّ يده ليعطيني الهاتف، فرفضت وأخبرته بصوت سمعه الطرف الآخر في المكالمة:

أنا لا أتلقى تعليمات من هواتف شخصية من أي جهة كانت.
بوسع السيد رئيس المحكمة أن يصدر القرار من بيته، كما أنه بوسعك أن تتوجه إلى الوزارة للحصول على القرار الذي تريد.

أغلق الهاتف واغتاظ الأستاذ الدكتور، رجل القانون، من إجابتي.

لم أشأ أن تطول حيرته، فخلعت رابطة العنق الخاصة بي ووضعتها على المكتب، وأردفت قائلًا:
إذا حضرتك بتتكلم باسم السلطة، فهذه التي بيني وبينكم، والمركب مش هاتمشي إلا إذا قدمت شيكًا مقبول الدفع بمستحقات القبطان والبحارة، وسأغادر دون قرار بعد ربع ساعة من الآن.

تعجب الرجل من تصرفي وخرج إلى السكرتارية، وأجرى اتصالاته ثم عاد وفي يده شيك مقبول الدفع بالمبلغ المطلوب، وتغير أسلوبه فجأة ليخبرني أن الشيك كان معه منذ البداية لأنه رجل قانون ويعرف الإجراءات جيدًا، وأنه فخور بموقفي و…

لم أقتنع بحديثه، فقد سقطت هيبته من عيني.
قمت بإثبات سداد المديونية بشيك مقبول الدفع، وأرسلت فاكسًا إلى هيئة الموانئ للإذن بتحرك السفينة، وأردفت ذلك باتصال هاتفي برئيس الهيئة لتأكيد القرار.

ثم غادرت مكتبي بعد أن رمقته بنظرة عتاب وأخبرته:
الآن يمكنكم أن تديروا المحركات، والمركب تمشي.

فأطرق إلى الأرض ولم يعلّق، ثم غادرت بعد أن ألقيت الكارت الخاص به، الذي تركه على مكتبي، في أقرب صندوق قمامة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى