فلسطينملفات وتقارير

واشنطن بين تثبيت وقف النار ومعركة الدولة الفلسطينية… خلافات عميقة تعرقل قرار مجلس الأمن بشأن خطة ترامب لغزة

تسعى الولايات المتحدة، إلى جانب عدد من الدول العربية والإسلامية، إلى تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة عبر تمرير قرار جديد في مجلس الأمن يمنح الغطاء الدولي لخطة دونالد ترامب للسلام.

ورغم أن واشنطن تبدو واثقة من قدرتها على حشد التأييد، فإن الخطة تواجه تعقيدات كبيرة وخلافات جوهرية، سواء مع إسرائيل أو داخل المجلس نفسه، ما يجعل تمريرها على الشكل النهائي محل شك حتى اللحظة.

القرار المنتظر التصويت عليه يوم الاثنين يشمل بنودًا غير مسبوقة لم تكن في النسخة الأصلية من خطة ترامب، وعلى رأسها الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وفتح مسار يؤدي في النهاية إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

كما ينص على أن مجلس السلام، الذي سيُكلَّف بإدارة القطاع لمدة قد تصل إلى عامين، سيكون كيانًا مؤقتًا، إضافة إلى منح الولايات المتحدة دورًا مباشرًا في إطلاق حوار سياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين يفضي في النهاية إلى ترتيبات للعيش السلمي.

هذه البنود تحديدًا، وفي مقدمتها ذكر “الدولة الفلسطينية”، خلقت توترًا واضحًا داخل إسرائيل. فبحسب محللين، تعتبر الحكومة الإسرائيلية أن القرار يمنحها من جهة إنجازين مهمين، إذ ستكون هي الجهة التي تحدد الدول المشاركة في القوة الدولية التي ستدخل غزة، كما ستستطيع وضع شروط أمنية وسياسية تجعل الوصول الفعلي إلى دولة فلسطينية عملية بالغة الصعوبة.

لكنها في الوقت ذاته ترى في مجرد إدراج عبارة “الدولة الفلسطينية” إخفاقًا سياسيًا كبيرًا قد يهزّ تماسك الائتلاف الحاكم، إضافة إلى أن الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من القطاع لصالح قوة دولية يُعدّ، بالنسبة لحكومة نتنياهو، خطوة شديدة الحساسية لأنها تعني عمليًا بقاء حركة حماس داخل غزة.

الخلافات لا تقتصر على إسرائيل وحدها، إذ يواجه المشروع الأميركي تحفظًا عربيًا واضحًا، خصوصًا بشأن صياغة ملف الدولة الفلسطينية.

فالدول العربية تريد نصًا صريحًا يؤكد إقامة الدولة على حدود 1967، بينما تميل واشنطن وتل أبيب إلى صياغة مرنة تربط هذا الهدف بإصلاحات داخل السلطة الفلسطينية وبخطة سياسية لاحقة.

ومع ذلك، تدرك الأطراف العربية والإسلامية أن تثبيت وقف إطلاق النار بات ضرورة إنسانية عاجلة، خصوصًا بعد عامين من الإبادة الجماعية التي خلّفت دمارًا هائلًا وضحايا بعشرات الآلاف.

وتبرز أيضًا معركة دبلوماسية موازية داخل مجلس الأمن، بعد أن طرحت روسيا مشروعًا مضادًا يتحدث بشكل واضح عن الدولة الفلسطينية. خطوة Moscú تُفسَّر على أنها محاولة لإرباك الجهد الأميركي والتشويش على نفوذ واشنطن، فيما يخشى الأميركيون أن تميل موسكو لاستخدام الفيتو في اللحظات الأخيرة لتعطيل القرار.

المعضلة الأهم تظل متعلقة بالقوة الدولية التي يتوقع نشرها داخل غزة، والتي قد يصل عدد أفرادها إلى 20 ألف جندي من دول مختلفة، مهمتهم حفظ الاستقرار خلال المرحلة الانتقالية.

غير أن دخول هذه القوة محفوف بمخاطر عديدة؛ فالدول المشاركة ترفض أن تجد نفسها في مواجهة الفلسطينيين، كما لا تريد التعرض لمهمة نزع سلاح حماس أو لعب دور أمني بالنيابة عن إسرائيل، وهي مهام يمكن أن تفجر صدامات كبرى إذا لم تُضبط سياسيًا.

من جانب آخر، تشير التحليلات الفلسطينية إلى أن الفصائل لا تقف في مواجهة القرار إذا كان سيؤدي إلى تثبيت وقف النار، وإخراج الاحتلال من القطاع، وبدء إعادة الإعمار.

بل إن بعض المصادر ترى أن الفصائل أبدت مستوى من المرونة ساعد في تقريب وجهات النظر العربية–الأميركية، على أمل أن يتحول القرار إلى مدخل لإدارة فلسطينية موحدة داخل القطاع.

وفي الخلاصة، فإن القرار المرتقب يشكل مفترق طرق حقيقيًا.

العرب يسعون لوقف الإبادة وإطلاق مسار الدولة، وأميركا تتشبث بإنقاذ صورة إسرائيل عالميًا دون الاصطدام بها، بينما تحاول الحكومة الإسرائيلية منع أي تقدم سياسي يمكن أن ينتهي بدولة فلسطينية أو بانسحاب كامل من غزة.

وبين هذه الحسابات المتناقضة، تبدو قوة الاستقرار الدولية والمرحلة الانتقالية المقبلة الأكثر غموضًا، إذ قد تتحول، إذا غابت الضمانات السياسية، إلى أزمة جديدة بدل أن تكون مدخلًا لإنهاء المأساة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى