د. أيمن نور يكتب: طلعت السادات… حينما يغادرنا صوت الضمير الوطني وتجربة الليبرالية المعارضة

تمر السنوات سريعاً، وتبقى ذكرى الرجال الذين تركوا بصمة لا تُمحى في وجدان الأمة. الذكرى الرابعة عشرة لرحيل طلعت السادات ليست مجرد مناسبة لتأبين شخص راحل، إنما هي محطة للتأمل في قيمة الصوت الحر والشجاع في زمن ساد فيه الصمت والخنوع. كان طلعت، رحمه الله، بمثابة نبض الشارع ولسان المعارضة البرلمانية التي لم تعرف التردد أو المساومة على المبادئ الوطنية.
تجربة طلعت السادات في الحياة السياسية تشكل نموذجاً فريداً للسياسي الليبرالي الوسطي الذي حمل على عاتقه إرثاً ثقيلاً، إرثاً يتجاوز مجرد الانتماء العائلي إلى الرئيس الراحل، ليتحول إلى التزام راسخ بقضايا العدل والديمقراطية. امتلك الفقيد قدرة نادرة على الجمع بين الشجاعة المطلقة في المواجهة والقدرة على التعبير بأسلوب شعبي بليغ، جعله مقبولاً ومحبوباً حتى من خصومه.
يدرك المتابعون أن طلعت السادات لم يكن معارضاً هامشياً، بل كان قامة كبيره ، وظف فكره العميق في تفكيك منطق الاستبداد وكشف زيف خطاب الأنظمة التي تتفنن في مصادرة الحريات. في كل مرة كان يعتلي فيها المنصة، كان يحول الجلسة البرلمانية إلى ورشة فكرية وفلسفية تلامس البعد الإنساني العميق لقضايا الوطن والمواطن.
لقد آمن طلعت بأن السياسة ليست مجرد لعبة مصالح، بل هي ممارسة أخلاقية أولاً وأخيراً، وهي جوهر ما قاله الإمام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه: “العدل أساس الملك”. هذا الإيمان جعله يتبنى خطاً ليبرالياً متوازناً، يرفض التطرف بكل صوره، ويسعى لبناء دولة مدنية حقيقية تحترم التعددية وتصون كرامة الفرد، وهي ذات الرؤية التي طالما نادى بها مدرسة مصطفى أمين في الصحافة والحياة.
تختزن ذاكرتنا صوراً جمالية لمواقف طلعت الراحل، صوراً تعكس بعده الوجداني والرومانسي تجاه تراب وطنه وشعبه، تماماً كما تتجسد العاطفة الجياشة في قصائد نزار قباني النثرية. كان حديثه عن مصر أشبه بالبوح الجميل، مزج فيه السرد التاريخي بتحليل الواقع، ليخرج بمادة فكرية لا تخلو من الاستدلال القرآني أو الحديث النبوي الشريف حين يتطلب المقام ذلك في التأكيد على قيمة الحق والصدق.
ستبقى ذكرى طلعت السادات علامة فارقة في سجل المعارضة المصرية والعربية. رجل لم يخف ولم يتردد، قاوم الطغيان بلسانه وعقله، ودفع ثمن اختياراته غالياً من حريته وراحته. ترحم القلوب على روحه الطاهرة، وتستلهم الأجيال من سيرته درساً عملياً في أن الوطن يستحق منا أن نكون أوفياء لمبادئنا، ثابتين على مواقفنا، حتى في أحلك الظروف وأشدها قسوة.







