مقالات وآراء

د.محمد عماد صابر يكتب: السعودية والإمارات.. أجنحة الصراع الدولي في المنطقة

“من إدارة النفوذ إلى هندسة الشرق الأوسط الجديد”

لم تعد منطقة الشرق الأوسط ساحة صراع تقليدية بين دول متجاورة، بل تحوّلت إلى مسرح مفتوح لإدارة الصراع الدولي، تتقاطع فيه مشاريع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والقوى الصاعدة، ويُعاد فيه توزيع الأدوار الإقليمية بدقة. في هذا السياق، تبرز السعودية والإمارات ليس كدولتين متجاورتين فقط، بل كـ جناحين وظيفيين داخل معادلة الصراع الدولي، لكل منهما دور مختلف، لكن ضمن إطار استراتيجي واحد.

أولًا: السعودية… جناح الاستقرار المُدار


تمثّل السعودية مركز الثقل الجغرافي والروحي والاقتصادي في العالم الإسلامي. لهذا، جرى التعامل معها دوليًا بوصفها ركيزة استقرار يجب الحفاظ عليها، لا تفجيرها. الدور المرسوم لها يقوم على احتواء التحولات، امتصاص الصدمات، ضبط الإيقاع الإسلامي، ومنع الانفجار الشامل، مع إعادة توجيه البوصلة من الصراع العقدي والحضاري إلى التنمية والاقتصاد والاندماج العالمي.


السعودية لا تُدفع عادةً إلى رأس الحربة، بل إلى القيادة الناعمة: تهدئة، وساطة، إعادة صياغة الخطاب الديني، وضبط المجال العام الإسلامي، بما يضمن تحييد المملكة عن أي مواجهة مباشرة مع المشروع الصهيوني أو الهيمنة الغربية، دون الظهور كطرف عدائي مباشر للأمة.

ثانيًا: الإمارات… جناح الصدمة والهندسة


في المقابل، تؤدي الإمارات دورًا أكثر حدة ووضوحًا. فهي جناح الصدمة المتقدمة في المشروع الدولي، تتحرك بسرعة، بلا أثقال تاريخية أو دينية، وتعمل كأداة تنفيذية في ملفات شديدة الحساسية: التطبيع العلني، التحالف الأمني مع الاحتلال، التدخل في بؤر التفكك، وتمويل وإدارة شبكات النفوذ السياسي والإعلامي.
الإمارات لا تتحرك بردّ الفعل، بل بالفعل الاستباقي؛ وهي لا تكتفي بالتأثير، بل تسعى إلى إعادة هندسة المنطقة: تفكيك قوى المقاومة، محاصرة الإسلام السياسي، دعم الانقلابات، إعادة تشكيل النخب، وتحويل الصراع من تحرر وهوية إلى اقتصاد واستثمار وأمن.


تبرز خطوات الإمارات نحو الشرق الأوسط الجديد. فمنذ توقيع اتفاقيات أبراهام، دخلت الإمارات مرحلة جديدة، لم يعد فيها التطبيع مجرد علاقة دبلوماسية، بل شراكة استراتيجية كاملة مع المشروع الصهيوني، تتجلى في التعاون العسكري والاستخباراتي، والاستثمار المشترك في التكنولوجيا والأمن السيبراني، والتنسيق في ملفات البحر الأحمر، القرن الإفريقي، ليبيا، السودان، واليمن.


تتحرك الإمارات ضمن تصور واضح: شرق أوسط بلا مقاومة، بلا مركزية إسلامية، بلا قضية فلسطينية فاعلة. شرق أوسط تُدار فيه الثروات عبر شبكات دولية، وتُحكم فيه الشعوب عبر أدوات ناعمة وخشنة، ويُعاد فيه تعريف “الاستقرار” بوصفه غياب أي مشروع تحرري.

مآلات هذا التحرك

هذا المسار لا يقود إلى استقرار حقيقي، بل إلى هشاشة مركبة. فالقضاء على قوى المقاومة لا يلغي دوافعها، وتفكيك الهوية لا يصنع ولاءً دائمًا، وربط المنطقة أمنيًا واقتصاديًا بالاحتلال سيجعل أي انفجار قادم أوسع وأعمق. التاريخ يُعلّمنا أن المشاريع الوظيفية قد تنجح مرحليًا، لكنها تفشل استراتيجيًا عندما تصطدم بإرادة الشعوب وعمقها الحضاري.
كما أن تحويل بعض الدول إلى أدوات تنفيذ لا يحميها من الارتداد؛ فالمشروع الذي يستخدمك اليوم قد يستغني عنك غدًا، أو يعيد توظيفك في دور أقل، حين تتغير التوازنات الدولية.

واجب الأمة: ما الذي يجب فعله؟

واجب الأمة اليوم لا يكمن في الصدام العاطفي، ولا في الصمت المريب، بل في الوعي الاستراتيجي. المطلوب كشف طبيعة الأدوار، فضح المشاريع، إعادة الاعتبار لفكرة الأمة الجامعة، دعم قوى المقاومة سياسيًا وإعلاميًا وشعبيًا، وبناء شبكات وعي عابرة للحدود.


الأمة مطالبة بأن تفهم أن المعركة ليست بين دول فقط، بل بين مشروع هيمنة ومشروع تحرر، بين شرق أوسط يُدار من الخارج، وأمة تريد أن تستعيد قرارها وهويتها. وأي نهضة حقيقية تبدأ من إدراك أن أخطر ما في المرحلة ليس العدو المعلن، بل الوظيفة التي تُلبس ثوب الشقيق.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى