عربي ودولى

أزمة معبر رأس جدير: من خلاف ليبي داخلي إلى ابتزاز تونس

تونس – بدأت أزمة معبر رأس جدير الحدودي مع تونس بخلاف ليبي داخلي بين الأمازيغ من جهة وحكومة طرابلس -وتحديدا وزير الداخلية عماد الطرابلسي- من جهة ثانية، لأسباب تتعلق بمحاربة التهريب، لكن بعد مرور أكثر من شهر على إغلاق المعبر تلاشى الحديث عن الخلاف الداخلي الذي كاد يتحول إلى حرب عرقية، لتدخل تونس على خط الأزمة.

وقالت مصادر رفيعة المستوى لـ”العرب” الخميس إن “الليبيين اشترطوا خلال زيارة عماد الطرابلسي رفع التجميد عن حسابات الليبيين المجمدة في تونس مقابل إعادة فتح المعبر، وهو الأمر الذي رفضته السلطات التونسية، ما يفسر استمرار إغلاق المعبر رغم إعلان الطرابلسي الاثنين الاتفاق على إعادة فتحه”.

وقبل ذلك تواترت معلومات بشأن اشتراط حكومة عبدالحميد الدبيبة على الحكومة التونسية صيانة المعبر وتوسيعه مقابل إعادة فتح الحدود، وهو الأمر الذي يعد صعبا في الوقت الحالي حيث تعاني تونس أزمة اقتصادية غير مسبوقة.

وكانت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مقربة من حكومة الدبيبة قد شنت حملة على تونس خلال الفترة الماضية وسعت لترويج فكرة أن التونسيين هم الخاسر الأكبر من غلق المعبر وأن الليبيين ليسوا بحاجة إلى السلع التونسية ولديهم البدائل الليبية، وهو ما دفع إلى التساؤل عما إذا كانت الأزمة تتعلق بمشاكل بين الأمازيغ والحكومة بخصوص تهريب الوقود المدعم أم أنها مفتعلة لإثارة مشكلة مع تونس والضغط عليها لرفع التجميد عن أرصدة الليبيين المجمدة لديها.

الدبيبة يريد توظيف الوضع الاقتصادي الصعب بتونس في خنق المدن الحدودية والضغط عليها لحل ملف الأموال المجمدة

وشكل هذا الملف أولوية للدبيبة منذ استقباله رئيس الحكومة التونسية الأسبق هشام المشيشي في مايو 2021. وطالب الدبيبة خلال لقائه المشيشي باستعادة الليبيين لحساباتهم المالية في تونس ومناقشة رفع التجميد عن الحسابات المالية المرصودة في بنوك تونسية.

وآنذاك دعا الدبيبة نظيره التونسي “إلى التدخل لصالح عدد من مواطنيه الذين حجزت أموالهم في فترة عدم الاستقرار وهجرتهم إلى تونس ومعاناتهم”، مشددا على أنه يتعين على الحكومتين تسهيل حركة انسياب الأشخاص والسلع وحركة الأموال، وأن التجار الليبيين لا يحتاجون دائما إلى الاعتمادات المستندية لتسيير تجارتهم.

وعقب زيارة المشيشي بأيام أصدر الدبيبة قرار تشكيل لجنة لمتابعة إجراءات رفع القيود عن أموال وممتلكات الليبيين المصادرة في تونس. ويبدو أن التفاهمات التي جرت بين المشيشي والدبيبة لم تجد طريقها إلى التنفيذ بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو.

وفي 25 يوليو 2021 أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد عن إجراءات تم بموجبها حل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء وإقالة الحكومة قبل سنّه دستورا جديدا بدّل به النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي. وحاول الدبيبة في فبراير الماضي تحريك الأمور من جانب واحد لكن من الواضح أنه لم يجد تفاعلا من الجانب التونسي.

ودعت السلطات القنصلية الليبية في فبراير كلّ ليبي ممن تم الحجز على ممتلكاتهم لـ”التقدم إلى الشؤون القنصلية في السفارة بطلب كتابي يبين كافة حيثيات وملابسات مصادرة أمواله أو الحجز على ممتلكاته مشفوعا بكافة المستندات الدالة على ذلك”.

وفي 30 يناير الماضي استعرضت لجنة متابعة إجراءات رفع القيود عن أموال وممتلكات الليبيين المجمدة، بمقر وزارة الداخلية الليبية، “بعض المشاكل والعراقيل التي تواجه المواطنين الليبيين في كل من تونس ومالطا” وموضوع المصادرة الجمركية وكيفية استرجاعها عن طريق تشكيل لجنة مشتركة من الجانبين الليبي والتونسي “لمراجعة الملفات الجمركية”. لكن لم يتم الإعلان عن تشكيل لجنة تونسية – ليبية في الغرض وهو ما يشير إلى تجاهل تونسي للمطالب الليبية.

ويقول مراقبون إن الدبيبة يريد توظيف الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به تونس في الضغط عليها لحل هذا الملف من خلال خنق المدن الحدودية في الجنوب الشرقي التي يعيش أغلب سكانها على التهريب والمبادلات التجارية مع ليبيا.

ورغم أنّ السلطات المالية الرسمية لم تكشف عن حجم الحسابات الليبية المجمدة والأصول المودعة في البنوك، إلّا أنّ لجنة التحاليل المالية في البنك المركزي أعلنت منذ عام 2016 أنّ الساحة المالية التونسية شبه غارقة في التدفقات المالية المتأتية من ليبيا عبر اعتمادات مفتعلة.

وجاء في الدراسة التي أنجزتها لجنة التحاليل المالية بشأن مخرجات التحليل الإستراتيجي للوضع المالي التونسي – الليبي آنذاك، أنّ التدفّقات المالية المتأتّية من ليبيا عبر اعتمادات مستندية مفتعلة للتغطية على عمليات معقّدة ومركّبة الهدف منها المضاربة وتبييض الأموال.

وكانت المفوضية الأوروبيّة أدرجت في 2017 تونس إلى جانب عدد من الدول في القائمة الأوروبيّة السوداء لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

واتخذت تونس في ما بعد جملة من الإجراءات للخروج من القائمة الأوروبية السوداء كان من بينها تجميد البنك المركزي التونسي ثلاثين حسابا في 2018، يبدو أنها تعود إلى ليبيين، بالإضافة إلى إجراء البرلمان التونسي تعديلات على قانون مكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال، لكن تونس لم تتمكن من الخروج من تلك القائمة إلا في 2020.

وأعلن الطرابلسي الاثنين عودة التبادل التجاري مع تونس وفتح معبر رأس جدير البري الحدودي بين البلدين المغلق منذ نهاية مارس الماضي. وقال عقب مباحثات مع الرئيس التونسي ووزير الداخلية كمال الفقي في قصر قرطاج الرئاسي الاثنين “اتفقنا على فتح معبر رأس جدير الحدودي البري بين ليبيا وتونس”.

وأضاف الوزير الليبي “من الآن، ستُعطى التعليمات للجهات المختصة الليبية والتونسية بالبدء في فتح معبر رأس جدير واتخاذ جميع الإجراءات”، لافتا إلى أن قرار إعادة فتح المعبر جاء “بعدما اكتمل العمل الأمني والتجهيزات الأمنية”.

وجاءت زيارة الطرابلسي إلى تونس بعدما اتفقت لجنة مشتركة بين ليبيا وبعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية في ليبيا (يوبام) الثلاثاء الماضي على دعم قدرات السلطات الليبية في تأمين وإدارة الحدود مع تونس.

وقالت البعثة بعد اجتماع في طرابلس هو الأول للجنة إن الجانبين استعرضا “الأنشطة التي نفذتها البعثة خلال المدة الماضية، وتناولا خطتها للفترة من مايو 2024 إلى يونيو 2025 (نهاية تفويض البعثة)، بحيث تتم مواءمتها مع احتياجات الجانب الليبي”.

وكانت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا قد أعلنت سحب أعضائها من معبر رأس جدير مع تونس معلنة أنه خرج عن السيطرة، بعد اقتحام مسلحين للمعبر نهاية مارس الماضي.

وتدير المعبر من جانبه الليبي ميليشيات تابعة لمدينة زوارة التي تبعد حوالي 40 كيلومترا عن الحدود مع تونس، ترفض أي محاولة لطرد قواتها من طرف القوات الموالية لحكومة الوحدة الوطنية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى