المونيتور : إسرائيل تدرس جميع الخيارات فيما يتعلق برفح، وتراقب مصر، و توسع عملياتها الهجومية.
سيطر الجيش الإسرائيلي على معبر رفح، لكن البعض يشكك في فعالية هذه الخطوة دون بسط سيطرته على الحدود الكاملة لقطاع غزة.
إلى متى ستواصل قواتها القتال في جنوب غزة، وإلى أي مدى جغرافي ستمتد العمليات العسكرية هناك؟
وكشفت تقارير أن مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي منح الجيش الضوء الأخضر لتوسيع نطاق العمليات في المنطقة الشرقية من مدينة رفح، إلا أنه لم يتم التوصل إلى قرار بشأن توسعة الهجوم ليشمل المدينة بأكملها. وسيُعتبر اتخاذ مثل هذا القرار تجاوزاً للخط الأحمر الذي سبق أن أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدن.
الولايات المتحدة المعنية تحث على المزيد من الأساليب “السرية”.
وردًا على سؤال بشأن التصعيد، صرح جون كيربي، منسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية، يوم الجمعة، أن هذا النطاق لا يصل بعد إلى مستوى عملية واسعة النطاق. وأضاف كيربي أن الولايات المتحدة “لن تذهب إلى حد القول” بأن الإجراءات العسكرية الإسرائيلية خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية تشير إلى عملية برية شاملة، لكنه أكد أنها تراقب الوضع “بقلق”.
لكن مسؤول البيت الأبيض بدا أكثر تفهما للهدف العسكري الإسرائيلي المتمثل في “القضاء” على حماس، رغم المخاوف بشأن الوضع الإنساني. وقال: “لم نقل لهم قط أنهم لا يستطيعون محاولة القضاء على كتائب حماس الموجودة في غزة. لم نخبرهم قط أنهم لا يستطيعون العمل في غزة”.
ما قلناه لهم هو أن كيفية تنفيذهم للأمر مهمة، وأننا لن ندعم عملية برية واسعة النطاق، أو قصف رفح بعدة فرق عسكرية بطريقة عشوائية.
وأوضح كيربي أن الولايات المتحدة تفضل اتباع تكتيكات سرية. “نعتقد أن هناك طرقًا أفضل وأكثر سرية واستهدافًا وحذرًا للتعامل مع هذا التهديد والقضاء عليه. ونحن ننتظر بفارغ الصبر كل فرصة متاحة لتقديم هذه البدائل”. وأضاف: “لقد فعلنا ذلك بالفعل في عدد من الأماكن، ونتطلع إلى القيام بذلك في المستقبل”.
أصدر الجيش الإسرائيلي، اليوم الاثنين، تعليماته لسكان أحياء شرق رفح والفلسطينيين النازحين الذين يحتمون بالمنطقة بالانتقال إلى “منطقة إنسانية” على طول ساحل غزة بالقرب من خان يونس. وبحسب ما ورد فر ما لا يقل عن 110 آلاف شخص من المنطقة حتى الآن، وفقًا للأمم المتحدة.
وتتمركز أربع كتائب تابعة لحماس في منطقة رفح، لكن لا يُعرف عددها الحالي في شرق المدينة. وأعلن الجيش الإسرائيلي يوم الجمعة أن لواء جفعاتي اكتشف عدة فتحات أنفاق، وأن جنود اللواء 410 اشتبكوا مع خلايا هجومية تابعة لحماس وقضوا عليها. كما سيطرت القوات الإسرائيلية على الطريق الفاصل بين شرق وغرب رفح. وأفاد سكان بوجود دبابات إسرائيلية على الطريق.
يبدو أن حركة حماس قد اختارت مؤخرًا تقليل المواجهة المباشرة مع الجيش الإسرائيلي في رفح. وأشارت صحيفة هآرتس إلى أن هذه الاستراتيجية تجلّت بشكل أوضح في الأيام الأخيرة في خان يونس، حيث اعتمدت المجموعة على تكتيكات حرب العصابات. واختبأ مقاتلو حماس في الأنفاق، ولم يظهروا إلا في مجموعات صغيرة لمهاجمة القوات الإسرائيلية.
خيارات إسرائيل
كان الهدف المعلن للعملية المحدودة في شرق رفح، حسب الجيش الإسرائيلي، هو السيطرة على معبر رفح مع مصر. الهدف من ذلك منع تهريب الأسلحة إلى القطاع، وحرمان حماس من دخل الضرائب على الشاحنات القادمة من مصر.
يمثل إغلاق المعبر رمزًا لسيطرة حماس في غزة، بينما تُظهر المساعدات الإنسانية الجانب الآخر. قرار مجلس الوزراء الأمني بمواصلة القتال والتغلغل أعمق في رفح يشير إلى احتمالين: إما بقاء إسرائيل ضمن حدود عملية محدودة، أو إطلاق عملية واسعة النطاق حذر منها بايدن.
قد يؤدي الخيار الأول إلى أيام إضافية من القتال حتى تسيطر إسرائيل على شرق رفح، وهي منطقة أصغر حجماً وأقل سكاناً من باقي المدينة. ويعتقد الجيش الإسرائيلي أن معظم أنفاق التهريب تقع غرب معبر رفح عند ممر فيلادلفي على الحدود بين غزة ومصر. وتبدو فرص تحرير الرهائن من خلال العملية الحالية ضئيلة. ومع ذلك، طالما حافظت إسرائيل على الوضع الراهن في رفح، فمن المرجح أن تتجنب تنفيذ إدارة بايدن لتهديدها بوقف تسليم الأسلحة الهجومية. كما سيمنع ذلك إصدار أوامر لمزيد من السكان بإخلاء المنطقة.
أما الخيار الثاني، والمتمثل في تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق، فيتطلب نشر قوات أكثر عدداً. فقد لقي أربعة جنود إسرائيليين مصرعهم يوم الجمعة في شمال غزة، حيث نفذ الجيش الإسرائيلي عمليات واسعة النطاق في وقت سابق من الحرب. ومع استمرار التوترات على الحدود اللبنانية، قد يضطر الجيش الإسرائيلي إلى استدعاء المزيد من جنود الاحتياط.
المنطقة الحدودية: اتفاق مصري
أوضح عوفر شيلا، الباحث البارز في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي والعضو السابق في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست (يش عتيد)، في حديثه لـ “المونيتور” أن استيلاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على معبر رفح، رغم تصويره كنقطة تحول استراتيجية، لا يمثل الحل الأمثل للقضاء على حماس عسكرياً.
وأوضح شيلح أن “نتنياهو حوّل رفح إلى رمز، ليس فقط أمام الأميركيين والمجتمع الدولي، بل داخل إسرائيل أيضًا”. وأضاف أن “العملية العسكرية الجارية هناك محدودة للغاية، ولا أعتقد أن مصلحة إسرائيل تكمن في توسيعها، لأن ذلك سيعني مواجهة جدية مع إدارة بايدن واللاعبين الإقليميين الآخرين، ويتطلب نزوح أكثر من مليون شخص”.
لا يرى شيلح أهمية كبيرة للسيطرة على رفح لتحقيق أهداف الحرب، بل يُشدد على ضرورة السيطرة على حدود غزة مع مصر، وتحديدًا ممر فيلادلفي البالغ طوله 14 كيلومترًا. ويمتد هذا الممر من النقطة الحدودية الثلاثية بين إسرائيل وغزة ومصر وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط. ويؤكد شيلح على ضرورة إغلاق هذه الحدود بشكل كامل، فوق الأرض وتحتها، لمنع حماس من إعادة تسليح نفسها واكتساب المزيد من القوة. ويشدد على ضرورة تحقيق ذلك من خلال تفاهم دبلوماسي بين إسرائيل ومصر بدعم أمريكي.
وأكد شيلح أن سيطرة الجيش الإسرائيلي على المنطقة الحدودية جزئية، وتشمل معبر رفح. وأضاف: “السيطرة الكاملة تتطلب اتفاقًا مع مصر، يتضمن تهجير بعض السكان القريبين من الحدود”.
ولا يدعو شيلح إلى اتفاق مع مصر فقط، بل يدعو أيضاً إلى اتفاق إقليمي شامل، بمشاركة أمريكية، يشمل التطبيع مع السعودية وحلًا لليوم التالي في غزة.
يؤكد الخبير الإستراتيجي العسكري شيلح أن القضاء على كتائب القسام التابعة لحماس في رفح ليس الحل لتحقيق النصر في الحرب.
ويضيف: “لا يمكن للجيش الإسرائيلي تحقيق النصر بقتل آخر مسلح من حماس في آخر نفق”. “المطلوب هو إيجاد بديل يمنع حماس من حكم غزة واستغلال الوضع لإعادة تسليح نفسها”.
ويتابع شيلح: “حتى الجيش الإسرائيلي لم يعد يؤمن بسيناريو نتنياهو. بل قام في الأشهر الثلاثة الماضية بتقليص انتشاره وعملياته القتالية في القطاع بشكل ملحوظ”.
ويرى شيلح أن سيطرة إسرائيل على معبر رفح رمزية وليست ذات قيمة عسكرية. ويختم: “إذا لم تسيطر على الحدود كاملة بين غزة ومصر، فإن السيطرة على جزء منها لن تجدي نفعًا”.