الحرب في السودان: هل يرجح انضمام القبائل للجيش كافته أمام قوات الدعم

بعد مرور عام على الحرب، قرر زعماء عدة قبائل سودانية مؤثرة الانضمام إلى الجيش بدلاً من البقاء محايدين وصامتين. هذه الخطوة تعتبر دعماً للجيش وضعفاً لقوات الدعم السريع، وتشير إلى تراجع الدعم الاجتماعي لهذه القوات.

تتألف قوات الدعم السريع من مكونات اجتماعية أساسها قبيلة الزريقات في دارفور، التي ينتمي إليها قادة القوات محمد حمدان دقلو “حميدتي” وأخوه عبد الرحيم دقلو، بالإضافة إلى قبيلتي المسيرية والحوازمة في كردفان.

رئيس مجلس الصحوة الثوري وزعيم عشيرة المحاميد، موسى هلال، أعلن دعمه الكامل للجيش في حربه ضد قوات الدعم السريع.

وفي مقطع فيديو، أكد هلال وقوفه مع مؤسسات الدولة والقوات المسلحة، مؤكداً أنهم ليسوا مرتزقة قادمين من دول أفريقية أخرى لغزو السودان.

تراجع شعبية الدعم السريع

تراجعت شعبية القوات وفي 15 فبراير/شباط الماضي، أرسل “حميدتي” وفدًا من قادة القوات ورموز القبائل إلى موسى هلال لإنهاء الخلاف بينهما. واتفق الطرفان على عدم التسبب في أي ضرر لبعضهما البعض، وفقًا لمصادر قبلية.

كما تم الاتفاق على أن يحتفظ هلال بقواته وأن يتلقى تعويضًا عن السيارات والأموال التي استولت عليها قوات الدعم السريع خلال اقتحامها لمقر إقامته في منطقة مستريحة بشمال دارفور في عام 2017، وعن اعتقاله ومقتل نجله و9 من أنصاره وترحيله إلى الخرطوم. ولم يتم الإفراج عنه إلا في مارس/آذار 2022.

سبق لزعيم عشيرة المحاميد أن انحاز للجيش وأصبح رئيس مجلس شورى قبيلة الزغاوة وسلطان قبيلة المساليت. وقد اتهم تقرير أممي قوات الدعم السريع بقتل 15 ألف شخص من أفراد المساليت في ولاية غرب دارفور.

وتبنت مجموعات قبلية أخرى موقفًا مماثلا، وعزت موقفها إلى حرصها على وحدة السودان ودعم الدولة وجيشها الوطني كمؤسسة قومية لتجنب مخاطر التفكك والانهيار.

في إقليم كردفان، انقسمت قبيلة المسيرية، التي تعتبر أبناؤها المكون الثاني في قوات الدعم السريع بعد الزريقات. وقف أبناء المسيرية “الزرق” مع “حميدتي”، بينما وقف “الحمر” مع الجيش السوداني.

ويقاتل أبناء المسيرية في الفرقة 22 بمدينة بابنوسة في ولاية غرب كردفان، حيث صدوا موجات من الهجمات للسيطرة على المدينة.

وفيما يتعلق بتغير موقف عدة قبائل، يعتقد الخبير الأمني يوسف الصادق أن العديد من القبائل قد عدلت مواقفها نتيجة للتطورات العسكرية.

بعد تحقيق التقدم من قبل الجيش وتراجع قوات الدعم السريع والانتهاكات التي ارتكبتها والخسائر الكبيرة التي تكبدتها، بدأت تخشى من العواقب والتداعيات اللاحقة للحرب.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى الخبير الأمني أن الدعم السريع قد تجزأت حاضنته القبلية والاجتماعية، وتغيرت مواقف زعماء القبائل الذين كانوا يدعمون “حميدتي”، بينما ظل آخرون محايدين.

وهذا سيؤثر على الأوضاع العسكرية والروح المعنوية، التي تعد قوة وإرادة القتال لأي قوة في الحرب.

وبالنسبة لتغيير موقف موسى هلال، يعتقد الخبير أن ذلك سيكون مفيدًا للجيش وسيمنحه مساحة واسعة من الأرض التي ستكون متاحة لقوات “مجلس الصحوة”، في موقع جغرافي يمثل الحاضنة المكانية والاجتماعية للدعم السريع بدون الحاجة للقتال.

وسيمنح الجيش أيضًا قاعدة للعمليات في قلب دارفور وتأمين الدعم اللوجستي والبشري.

وهذا سيجعل من الصعب على “حميدتي” تنفيذ خططه للسيطرة على ما تبقى من الإقليم.

تأثير العنصر القبلي


في الأشهر الأخيرة، أعلنت قيادات معظم القبائل في شمال السودان وشرقه ووسطه عن دعمها للجيش، بالإضافة إلى قبائل كبيرة في غرب السودان، مثل قبيلة حمر في ولاية غرب كردفان، التي شكلت قوة مكونة من 5 آلاف مقاتل لحماية مناطقها بالتنسيق مع الجيش.

وتجاوز أبناء قطاع مؤثر من قبيلة النوبة في ولاية جنوب كردفان حركة الشعبية-الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو، التي تسيطر على بعض المناطق في الولاية، وقاتلوا إلى جانب الجيش في مواجهة الدعم السريع في مدينة الدلنج وحماية كادقلي، عاصمة الولاية.

ويرى المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة التيار، عثمان ميرغني، أن الحرب عندما اندلعت كانت ذات أبعاد سياسية بالغة، ولم تأخذ البعد القبلي أو الجهوي إلا بعد اتساع نطاقها الجغرافي.

وبحسب حديث المحلل للجزيرة نت، فإن التحشيد القبلي المباشر والمضاد بدأ مع مرور الوقت، وتوسع الدعم السريع في تكوين تحالفات قبلية، ساعد في تعزيز قوته بمساعدة القبائل التي استجابت قياداتها لدعوة “حميدتي” للوقوف إلى جانبه، على أمل أن تكون المكافأة هي النفوذ السياسي والاقتصادي.

ويضيف أنه مع دخول الحرب عامها الثاني، بدأ يظهر بوضوح أن الاصطفاف القبلي خلف الدعم السريع يواجه واقعًا مختلفًا عما تصورته قيادات تلك القبائل، حيث يرى المحلل أن الدعم السريع يتراجع على المستوى الميداني والسياسي، وتقترب الصورة النهائية للحرب من توضيح مستقبل لن يكون “حميدتي” هو السبب فيه، بالإضافة إلى الفواتير المتراكمة من آثار ما حدث في دارفور والدور الذي لعبته قواته فيها.

ويضيف أن تأثير ذلك على الحرب كبير، حيث يمنح دعم القبائل للجيش تنوعًا قوميًا، ينفي العديد من شعارات الدعم واستغلال الكراهية.

وجهة القبائل تتجه إلى الجيش

أسباب التحول تكمن في نشاط جسم جديد يطلق عليه “تنسيقة قبيلة الزريقات”، وهي تشكل من نخب ومثقفي القبيلة الذين يرون أن طموحات “حميدتي” وقوى خارجية دفعوه لتنفيذ مشروع غير معروف مصيره.

ويعتقدون أن القبيلة تدفع ثمناً باهظاً وأبناؤها يتعرضون لما يشبه الإبادة، وقد تشوهت صورتها أمام الشعب السوداني بسبب تحميلها مسؤولية الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع، نظراً لأن غالبية القوات وقيادتها تنتمي للقبيلة.

ويرى الباحث في شؤون قبائل غرب السودان، إبراهيم عربي، أن القبائل التي انضمت إلى الجيش لديها تقاطعاتها، ولكنها تضررت من تصرفات الدعم السريع، وأصبحت مقتنعة بأن الحرب تجاوزت الخلافات الداخلية وأصبحت غزواً خارجياً.

وهناك بعض هذه القبائل التي لديها خلافات مع حميدتي وترفض مشروعه واستخدام المليشيات العربية في مواجهة المجموعات الإثنية ذات الأصول الأفريقية، وفقاً لتوصيفه.

وبحسب حديث الباحث نفسه للجزيرة نت، فإن موسى هلال يسعى لإنقاذ قبيلته والمكون العربي الذي يشكل الدعم السريع “العطاوة”، وذلك من خلال جمع شتاتهم وتجنيبهم الفناء.

ولكن هناك مخاوف من قبل المكونات المعارضة لإعادة تجربة حميدتي مرة أخرى.

ويتوقع المتحدث نجاح جهود هلال في التوصل إلى حل تفاوضي مع الحكومة قبل أن يتشتت مقاتلو الدعم السريع ويتحولوا إلى جزر معزولة.

المصدر: (الجزيرة نت – وكالات)

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى