مقالات ورأى

جامعة كولومبيا… منارة النضال والتضامن من قلب نيويورك

في عمق قلب مدينة نيويورك، تنبض جامعة كولومبيا بروح الثورة والتغيير، فهي ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل هي بوابة إلى عالم من النضال والتضامن.

بتاريخها الطويل والمجيد، أثبتت جامعة كولومبيا أنها لا تقبل الظلم والاستبداد، بل تقف بكل قوة وإصرار في وجه التحديات التي تهدد الإنسانية.

منذ تأسيسها في عام 1754، ترسخت جامعة كولومبيا كمنارة مشرقة في عالم العلم والتعليم، تتلألأ بضوء العدالة والتضامن.

كسرت الجدران والحدود لتحمل راية الإنسانية والعدالة، وبرزت بجدارة كواحدة من أبرز المؤسسات التعليمية في العالم، لتظل ملتزمة بدعم القضايا العادلة وتعزيز النضال من أجل المساواة.

منذ قرون، انبثقت أصوات طلابها كنقاط فارقة في ساحة النضال، فكانوا أول من أطلقوا صيحات الاحتجاج ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وصاروا رمزا للتضامن العالمي والعدالة الاجتماعية.

وفي زمن الحروب والصراعات، تحدت أصوات طلاب جامعة كولومبيا زمنهم ومكانهم، منادين بإنهاء حرب فيتنام ووقف العنف والظلم في كل مكان.

ووسط أصوات الاحتجاجات والصرخات الهادرة المنبعثة من قلب غزة، أعادت جامعة كولومبيا نفسها إلى الواجهة، لتكون نموذجا للتضامن العالمي والتصدي للظلم والاضطهاد، حيث خرج طلابها إلى الشوارع بشجاعة، محملين برايات السلام والعدالة، ومعلنين تضامنهم القوي مع شعب غزة المقاوم.

صوت الإنسانية يعلو على السياسة


وفي يوم سيظل حاضر في قلوب الأحرار حول العالم، استمرت أصوات النضال عالية، تؤكد على عزمها وإصرارها في مواجهة الظلم بكل قوة وثبات، متحدية أسلحة الشرطة ضد الطلاب السلميين داخل الحرم الجامعي، محاولة كسر إرادتهم وتخويفهم.


إن عودة جامعة كولومبيا لصدارة المشهد الطلابي العالمي لتضامنها مع غزة، ليست مجرد حلقة جديدة في سلسلة التحركات الاحتجاجية، بل هي بادرة نبيلة تبرز للعالم أجمع أن الإنسانية لا تعرف حدودا، وأن صوت العدالة يعلو فوق صخب السياسة والقوة.


وكشفت الأحداث داخل جامعة كولومبيا التناقض بين الوقفة المشرفة للطلاب والموقف المخزي لرئيسة الجامعة المصرية الأصل، فبينما يقف الطلاب بفخر وكرامة، يتحدون الظلم وينادون بالعدالة، تخيب الأستاذة نعمت شفيق الآمال وتخذل قيم الحرية والكرامة بموقفها المشين، فبدلاً من دعم الطلاب وتشجيعهم على التضامن والنضال، اختارت الأستاذة الانحياز للظلم واستخدمت القمع ضد الطلاب السلميين المناضلين.

تاريخ جامعة كولومبيا، من “الملك” إلى “العالمية”


ترجع جذور جامعة كولومبيا إلى عام 1745، حيث أسست تحت اسم “جامعة الملك” تيمنا بالملك جورج الثاني، ملك بريطانيا العظمى.

وبالرغم من أنها نشأت قبل ثورة الاستقلال الأمريكية، فقد استمرت بمسيرة نجاحها وتميزها.


وحملت الجامعة اسم “جامعة الملك”، لتعكس تراثها الملكي وتقديرها للتعليم الراقي.

وفي عام 1854، شهدت تغييرًا جذريًا حيث تحولت إلى “جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك”، مما أكسبها هوية جديدة وعالمية تعكس مكانتها البارزة.

جامعة كولومبيا: مصدر القادة والمبدعين


تعتبر جامعة كولومبيا مركزًا رئيسيًا لتخريج السياسيين وعلماء الاقتصاد الأمريكيين، كما تتميز بتخريج عدد كبير من الحائزين على جائزة نوبل، فكانت الجامعة موطنًا لشخصيات بارزة في كل المجالات، من السياسة إلى الثقافة، ومن بين خريجيها البارزين، تبرز شخصيات سياسية مثل باراك أوباما وثيودور روزفلت وفرانكلين روزفلت، الذين برزوا في مجال القيادة وصنعوا التاريخ بقراراتهم وتحركاتهم الجريئة.


كذلك كان لخريجي جامعة كولومبيا الثقافيين الذين أثروا التراث الثقافي العالمي بأعمالهم الرائعة دورًا بارزًا في نشر الفكر والثقافة، من بين هؤلاء إدوارد سعيد، الذي كان له دور بارز في تطوير النقد الأدبي والدراسات الثقافية، وكذلك جينيت وولف، التي أثرت في مجالات الأدب والنسوية والنقد الثقافي بأعمالها المميزة.

إلى جانبهما، نجد أيضًا هنري ميلر، الذي تألق في كتابة الروايات والمسرحيات بأسلوبه الفريد والقوي.

بفضل هؤلاء الثقافيين وغيرهم، أصبحت جامعة كولومبيا بيتًا للعقول الإبداعية ومصدرًا للتأثير والإلهام في عالم الأدب والثقافة.

جامعة كولومبيا تنتفض ضد حرب فيتنام

لم تكن وقفة طلاب جامعة كولومبيا ضد الحرب في غزة الأولى من نوعها، بل جزء من سلسلة تاريخية من النضال والاحتجاج في تاريخ الجامعة فمنذ تأسست الجامعة في عام 1754، كانت المحور للتحركات التي تطالب بالتغيير والعدالة…


في ذلك الوقت، خرج طلاب جامعة كولومبيا إلى الشوارع للتظاهر والمطالبة بانسحاب القوات الأمريكية من فيتنام. تمثلت هذه الاحتجاجات في تعبير الطلاب عن رفضهم للحرب وتضامنهم مع الشعب الفيتنامي المعاني. كانت هذه الحركة جزءًا من حركة عالمية أوسع، تمتد إلى جامعات أخرى في الولايات المتحدة وحول العالم، تعبر عن موقف المجتمع الطلابي ضد الحروب والظلم.

نضال جامعة كولومبيا ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا


بعد عقدين من الزمان، عادت ساحات ومباني جامعة كولومبيا لتصدر المشهد في قضية أخرى هي الكفاح ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ففي 5 أبريل عام 1985، قام 7 طلاب أعضاء في “الائتلاف من أجل جنوب أفريقيا حرة” بإغلاق مدخل المبنى الإداري للجامعة “هاميلتون هول”، حيث قيدوا أنفسهم بأغلال وسلاسل في مدخل المبنى وعلى الدرج المؤدي إليه.

لم تكن هذه الخطوة المشهد الأول في الاحتجاجات ضد نظام الفصل العنصري، حيث شهدت ساحات الحرم الجامعي في كولومبيا مظاهرات واعتصامات على مدى أشهر وسنوات سابقة.

وكانت تلك الوقفة في إطار تصاعد التوتر والاحتجاج ضد النظام الفصلي في جنوب أفريقيا، وتعكس تحولاً في الوعي الطلابي والمجتمعي بشأن الظلم والتمييز العنصري.

استمر هذا التصعيد لمدة نحو 3 أسابيع، حتى جاء النصر للحركة يوم 25 أبريل 1985، حين قررت إدارة الجامعة الاستماع لمطالب الطلاب ووقف التعامل مع نظام الفصل العنصري بشكل كامل.

جامعة كولومبيا.. نموذج لرفض الظلم في غزة


ولم تغب جامعة كولومبيا عن المشهد الحالي، حيث تصدرت المشهد النضالي مرة أخرى، في قضية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بدأت المظاهرات والاحتجاجات تلوح في الأفق بشكل يومي على حرم الجامعة، ولكن ما لفت الأنظار أكثر هو قرار إدارة الجامعة في 22 أبريل بإلغاء حضور الفصول الدراسية والتحول إلى التعليم عن بُعد حتى نهاية الفصل الدراسي الجاري لتهدئة التوترات.

ومع تصاعد التوترات، جاء استدعاء رئيسة الجامعة لشرطة نيويورك لتدخل واعتقال أكثر من 100 طالب، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع بدلاً من تهدئتها.

رغم التحركات العنيفة، إلا أن الطلاب والجماعات الداعمة لفلسطين أظهروا إصرارًا فائقًا على الوقوف في وجه الظلم والتمييز، وهو ما يبرز مجددًا تاريخ جامعة كولومبيا في النضال والمقاومة ضد الظلم في جميع أنحاء العالم.

لتبقى جامعة كولومبيا نموذجا للفخر والاعتزاز، في مواجهة الظلم والاضطهاد، حاملين منارة الشموخ في وجه الظروف الصعبة حيث برزوا كرمز للشجاعة والعزيمة…

ونأمل أن تسري روح النضال والتضامن التي تجسدها جامعة كولومبيا لتكون مصدر إلهام للجامعات العربية والعالمية على حد سواء وإعلان قيم العدالة والتضامن شعارا يرفرف فوق جميع المعاني وفي كل الأحوال.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى