مقالات ورأى

د. نعمات عبدالله البرش تكتب … فِي حَضْرَةِ غَزَّة

في حَضرةِ الجُرحِ النَّازف اجلسْ وَاسمع
في حَضرةِ الأحزمةِ النَّاريةِ التي التفت حولَ عُنقِ غزةَ فأرهبَتهَا وأذعرَت أطفالَهَا وَأتَت عليها تَدميرًا وتخويفًا وإرهابًا اجلس وتأدب

في حَضرةِ غزةَ تَفهم أنَّ الدنيا حقًّا لا تُساوي جناحَ بعوضة… فقد تبدلتِ الأماكنُ والمساكنُ وتفرقَ الناسُ في البلاد… فأصحابُ المالِ تركوه وَمَن جَمعوا الذَّهبَ والفضةَ عزفوا عنها ومالكُو العِماراتِ والعَقارات وَدَّعوهَا بِغيرِ أسف
في حَضرةِ غزةَ هُجِرَتِ البُيوتُ الفخمةُ والربوعُ والمشاتي والمَصايفُ المُزدحمة… تُركتِ المساكنُ الجميلةُ التي كانت تُترجُ بِالأقفالِ والمتاريسِ والمفاتيح خوفًا منَ المَارة أو مِمَن تُسولُ له نفسُهُ بسرقةِ شيءٍ ما… فقط الانتباه والجُهوزية للرحيل
ألمْ نقُلْ إنَّنا فهمنَا في حضرةِ غزةَ أنَّ الدنيا لا تُساوي عندَ اللهِ جناحَ بعوضة

في حضرةِ غَزةَتغيرتِ المصطلحاتُ لأدواتِ الطبخِ والنفخِ والنَّظافة… في حضرة غزة انقطعَ كلُّ ما يُقيتُ الحياة

في حضرَة غزَّة خُتمتِ الأجزاء تِلاوةً وعُقدت الصلوات جماعةً في المآوي والبيوت وَتُليتِ الأذكارُ والتسابيحُ آلَافًا وأقبلَ الناسُ علَى اللهِ مُعترفينَ بالذنوبِ والإسرافِ طالبينَ القُرب منَ اللهِ الغفورِ الرحيم

في حَضرةِ غزَّة تُليَتِ الأنفالُ والتوبةُوآلُ عِمرانَ تطبيقًا عمليَّا لِتُصبحَ العقائدُ راسخةً في القلبِ لِيَرقَى اليقينُ وَيَعلُو لِيُعانقَ يقينَ الأنبياءِ والصحابةِ الأجِلَّاء

في حضرةِ غزتِنَا نتأدبُ جميعا
نحنُ أهلُهَا
أرضُهَا وبحرُهَا
سماؤُها وظلُّهَا
هواها ونسيمُها الذي تغبَّرَ وتعجَّجَ بقذائفَ شتَّى من صنعِ الأمريكان
أطفالُهَا الأبطالُ الذينَ قُتلوا في مهدِهِم خوفًا مِنهُم
في حضرةِ غزَّة عفوًا لا يوجدُ عندَهَا أطفال… فَأطفالُهَا رجالٌ وَأبطال

في حَضرةِ مجازرِ غزة يُخيَّلُ للرائِي أنَّ آلةَ القتلِ الأمريكية أصلًا، الإسرائيليةِ وكالةً كانت تغزو قارة منَ القارات… هل تخيلتَ يا هذا أنَّ أسلحةً شتى وحاملاتِ طائراتٍ وبوارجَ حربيةً وطائراتٍ مُسيرةً وطائراتِ الأباتشي والهليوكبتر والكوادكابتر والأف١٦ والأف٣٥ والزوارقَ البحريةَ والدباباتِ البريةَ والميركافا وناقلاتِ الجندِ… كلُّ هذه الأسلحة وغيرها وتآمرُ الشَّرقِ والغَربِ لِغَزو أو احتلال أو معاقبة ٣٦٥كيلو مترًا مربعًا… هي غزَّة

في حضرةِ غَزَّة يموتُ كلُّ شيء… إلّا غَزَّة
تَرحلُ العائلاتُ جماعاتٍ جماعاتٍ…
تَمْضِي قَوافلُ الشُّهداء
تذهبُ الأملاكُ والعقارات
تفنَى البيوتُ والرُّبوع
ويبقَى الدِّين
وتبقَى رايةُ الحقِّ خَفَاقة

في حَضرةِ تدمير غَزّة وكوارِثِهَا ومَجازِرِهَا لا تقلق…
حِجارةٌ تُرمم وَبُيوتٌ سَتعمرُ والشهداءُ تتمتعُ والجَرحى سَتُشفَى والقلوبُ سَتُجبَرُ بعد الرَّبط عليها… أمَّا البركةُ فسَتَتواصلُ مَددًا بإذنِ اللهِ لِتُعوِّض وتُرَمِّم… لِتَبقَى غَزةُ شَامخةً بِكبريائها وصمودِها

في حَضرةِ غَزَّة يَنقطعُ الْكَلِمُ
فَالسَّلام والبُرؤُ لِجُرحِكِ يا غزة

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى