معصوم مرزوق يكتب: كيف تنتهي مباراة غزة؟

عشية بدء الإعتداء الصهيوني البري علي غزة، قلت لبعض وسائل الإعلام: “أنه لا يبدو في الأفق حتى الآن حل عسكري حاسم، ومن المحتمل أنه لن يكون هناك هذا الحل، فوفقاً لما أعلنه نتنياهو عن أهداف الحرب إثر زلزال السابع من أكتوبر الماضي، فمن الواضح أن تلك الأهداف تبدو وجبة يصعب عليه ابتلاعها، أو على الأقل قد تتسبب له عسر هضم قاتل، وهذا يمكن شرحه ببساطة علي النحو التالي:

هدف تدمير حماس: هو هدف مستحيل، لأن حماس ليست مجرد تنظيم له كيان محدد وهياكل إدارة يمكن بتدميرها القضاء عليها، وإنما هي فكرة وفلسفة مقاومة لشعب تحت الاحتلال، وعلمتنا تجارب التاريخ أن مثل هذه الأفكار لا تموت.

هدف التأمين المطلق لمستعمرات صهيون فيما يسمي غلاف غزة ، هو بدوره هدف مفرط في المبالغة، لأن “الأمن” لا يمكن أن يتحقق لطرف بشكل مطلق، إلا إذا تمتع به الطرف الآخر ، حيث أن اختلال ميزان الأمن سيظل يدفع الطرف ذو الحظ الأقل دائماً للعمل علي تعديل الميزان، وبكل الطرف المتاحة .

هدف استعادة الأسري الصهاينة «الذين يطلقون عليهم بالخطأ اسم المخطوفين أو الرهائن» ، ولا يبدو نتنياهو جاداً في محاولة تحقيق هذا الهدف ، بل تشير كل الشواهد أن هناك تخطيط لقتل هؤلاء الأسري «وفقاً لمبدأ هانيبال» حتي لا يكونوا آوراقاً للتفاوض في أيدي المقاومة الفلسطينية ، ولا يوجد ما يؤكد عكس ذلك.

وبعيداً عن مسألة ترويج نتنياهو وعصابته الإجرامية لإمكانية تحقيق نصر عسكري حاسم، فأن معطيات المعارك تشير إلي أن الكيان الصهيوني يواجه مخاطر هزيمة استرتيجية قاسية ، سوف يكون لها تبعاتها علي المجتمع الإسرائيلي بمزيد من الإنقسام ، وانعدام الشعور بالأمان ، ومن ناحية أخري تزداد ثقة المقاومة الفلسطينية ، ليس فقط في غزة، بل في سائر فلسطين المحتلة، بما يدفع هذه المقاومة إلي مزيد من تحسين قدراتها العسكرية بما توفره التكنولوجيا الحديثة من إمكانيات تسمح لقوات حرب العصابات أن تمتلك دائماً القدرة علي المفاجأة والمبادأة ، وإحداث خسائر جسيمة في صفوف العدو.

وعلي ضوء ما تقدم ، فأن استمرار احتلال قطاع غزة سيكون جائزة للمقاومة الفلسطينية التي لن يكون عليها سوي المناورة والإلتفاف واصطياد الأهداف في الوقت والمكان الذي تختاره ، بحيث يستمر نزيف قوات الاحتلال ، وتزيد تكلفة البقاء في القطاع.

وينطبق ذلك أيضاً علي بعض ما تردده أوساط الكيان المصطنع من محاولة خلق شريط عازل بعمق كيلو متر في محيط القطاع من كل الإتجاهات، وتقديري أن ذلك نوعاً من خداع النفس، ولن يضيف وقاية جديدة للمستعمرات ليس فقط في غلاف غزة وإنما في أغلب مدن وسط وشمال الكيان الغاصب ، مع حقيقة استمرار تطوير مدي المقذوفات وقوتها التدميرية المتوفرة للمقاومة والتي سيتم توفيرها بعد ذلك.

نستخلص من كل ما سبق أن الكيان الوهمي لا يملك حل عسكري حاسم يحقق به أهدافه من الحرب.

ولكن هل للمقاومة الفلسطينية إمكانيات حل عسكري حاسم للصراع ؟..

في التقدير ، ربما تمتلك المقاومة هذا الخيار، ولكن علي المدي البعيد ، ومن خلال استراتيجية “القضمات” التي تعتمد علي الإضعاف المتدرج لإرادة العدو من خلال مواصلة الضربات المتنوعة بشكل منهجي يجعل العدو أكثر قابلية للسعي إلي حل تفاوضي للصراع ، وهي تشبه إستراتيجية المقاومة الفيتنامية للإستعمار الأمريكي.

ومن ناحية أخري يصعب القول بأن هناك ملامح حل سياسي شامل ، لأن الكيان الصهيوني لم ينهك بالشكل الكافي، وإذا ضاقت عليه السبل، فأنه لا يزال يأمل علي الأقل في مخرج قد توفره سلطة رام الله بقبول “تسوية مسلوقة” تكون كافية لمزيد من تمزيق الصف الفلسطيني وحصاره.

وبنفس القدر لا يبدو أن المقاومة الفلسطينية تملك حلاً سياسياً يحقق نوعًا من التوافق في مفاوضات تشمل تنازلات متبادلة بين الطرفين، لأن المقاومة لا تزال تتمسك بحدها التفاوضي الأقصى «كامل التراب الفلسطيني» ولن تقبل بأي صفقات قد تستدرج إليها سلطة رام الله.

فإذا كان الحل العسكري الحاسم مستحيلاً، لا يمتلك الطرفان أدواته الكافية ، وإذا كان الحل السياسي لا يزال خاضعاً لأهواء المطالب القصوي لطرفي الصراع، فأن “مباراة غزة ” مهما كانت نتائجها لن تكون سوي شوطاً من أشواط متتالية، يسعي فيها كل طرف لتحسين شروط التفاوض لصالحه مع مواصلة الضغط علي الطرف الآخر.

وعلي كل الأحوال ، فأن هذين الطرفين ليسا وحدهما على هذه الرقعة الجغرافية، ومن المؤكد أن زلزال السابع من أكتوبر سوف يخلف توابعه أيضاً علي الإقليم والعالم، بما قد يغير بعض عناصر المعادلات الجامدة الحالية، ويضيف أبعاداً جديدة لعناصر القوة في الموقف الفلسطيني ، وحينذاك ربما كتب التاريخ أن “مباراة غزة ” التي أطلقت صافرتها في السابع من أكتوبر 2023 ، هي مجرد البداية لسلسلة من الأشواط التي تنتهي بعودة الحقوق السليبة إلي الشعب الفلسطيني.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى